وَالثَّانِي: مَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ أُخِذَ غَصْبًا، وَالْمَقْبُوضُ بِعُقُودٍ مُحَرَّمَةٍ كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ: فَهَذَا إذَا اشْتَبَهَ وَاخْتَلَطَ بغَيْرِهِ لَمْ يَحْرُم الْجَمِيعُ؛ بَل يُمَيَّزُ قَدْر هَذَا مِن قَدْرِ هَذَا فَيُصْرَفُ هَذَا إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهَذَا إلَى مُسْتَحِقِّهِ؛ مِثْلُ اللِّصِّ الَّذِي أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ فَخَلَطَهَا، أَو أَخَذَ حِنْطَةَ النَّاسِ أَو دَقِيقَهُم فَخَلَطَهُ، فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُم عَلَى قَدْرِ الْحُقُوقِ. ٢٩/ ٢٧٦
* * *
(غلَطُ بعض النَّاسِ في نظرهم إلى مَا فِي الْفِعْلِ أَو الْمَالِ مِن كَرَاهَةٍ تُوجِبُ تَرْكَهُ، دون نظرهم إلى مَا فِيهِ مِن جِهَةِ أَمْرٍ يُوجِبُ فِعْلَهُ)
٤٠١٤ - الظُّلْمُ نَوْعَانِ:
أ- تَفْرِيطٌ فِي الْحَقِّ.
ب- وَتَعَدِّ لِلْحَدِّ.
فَإِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ ظُلْمٌ، كَمَا أَنَّ فِعْلَ الْمحَرَّمِ ظُلْمٌ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (١)
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَطْلَ -وَهُوَ تَأْخِيرُ الْوَفَاءِ- ظُلْمٌ، فَكَيْفَ بِتَرْكِهِ؟
وَقَد قَرَّرْت فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ أَعْظَمُ مِن تَرْكِ الْمُحَرَّمِ، وَأَنَّ الطَّاعَاتِ الْوُجُودِيَّةَ أَعْظَمُ مِن الطَّاعَاتِ الْعَدَمِيَّةِ، فَيَكُونُ جِنْسُ الظُّلْمِ بِتَرْكِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ أَعْظَمَ مِن جِنْسِ الظُّلْمِ بِتَعَدِّي الْحُدُودِ.
وَقَرَّرْت أَيْضًا أَنَّ الْوَرَعَ الْمَشْرُوعَ هُوَ أَدَاءُ الْوَاجِبِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ، لَيْسَ هُوَ تَرْكَ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ التَّقْوَى اسْمٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، كَمَا بَيَّنَ اللهُ حَدَّهَا فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} - إلَى قَوْلِهِ-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)} البقرة: ١٧٧.
(١) البخاري (٢٤٠٠)، ومسلم (١٥٦٤).