وإذَا كَانَ النَّصُّ قَد أَعْطَى وَلَدَ الْأمِّ الثلُثَ فَمَن نَقَصَهُم مِنْهُ فَقَد ظَلَمَهُم، وَوَلَدُ الْأبَوَيْنِ جِنْسٌ آخَرُ.
وَقَد قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ألحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ" (١)، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ تُبْق الْفَرَائِضُ شَيْئًا لَمْ يَكُن لِلْعَصَبَةِ شَيْءٌ، وَهُنَا لَمْ تُبْق الْفَرَائِضُ شَيْئًا.
وَإِذَا قِيلَ: فَالأبُ إذَا لَمْ يَنْفَعْهُم لَمْ يَضُرَّهُمْ؟
قِيلَ: بَلَى، قَد يَضُرُّهُم كَمَا يَنْفَعُهُمْ؛ بدَلِيلِ مَا لَو كَانَ وَلَدُ الْأُمِّ وَاحِدًا وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ كَثِيرِينَ، فَإِنَّ وَلَدَ الْأُمِّ وَحْدَهُ يَأخُذُ السُّدُسَ، وَالْبَاقِي يَكُونُ لَهُم كُلّهُ، وَلَوْلَا الْأبُ لَتَشَارَكُوا هُم وَذَاكَ الْوَاحِدُ فِي الثُّلُثِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْأَبِ يَنْفَعُهُمْ (٢) جَازَ أَنْ يَحْرِمَهُمْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّهُمْ.
وَأَيْضًا؛ فَأصُولُ الْفَرَائِضِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنُّ الْقَرَابَةَ الْمُتَّصِلَةَ: ذَكَرٌ وَأُنْثَى لَا تُفَرَّقُ أحْكَامُهَا.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُشرَّكَةِ: أَنْ لَو كَانَ فِيهِنَّ أَخَوَاتٌ مِن أَبٍ لَفُرِضَ لَهُنَّ الثلثانِ وَعَالَت الْفَرِيضَةُ.
فَلَو كَانَ مَعَهُنَّ أَخُوهُنَّ سَقَطْنَ، ويُسَمَّى "الْأَخُ الْمَشْؤُومُ".
فَلَمَّا صِرْنَ بِوُجُودِهِ يَصِرْنَ عَصَبَةً: صَارَ تَارَةً يَنْفَعُهُنَّ، وَتَارَةً يَضُرُّهُنَّ، وَلَمْ يُجْعَلْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي حَالَةِ الضُّرِّ.
كَذَلِكَ قَرَابَةُ الْأَبِ لَمَّا صار (٣) الْإِخْوَةُ بِهَا عَصَبَة: صَارَ يَنْفَعُهُم تَارَةً ويَضُرّهُم أُخْرَى.
(١) رواه البخاري (٦٧٣٢)، ومسلم (١٦١٥).
(٢) أي: الإخوة الأشقاء.
(٣) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل، بل في جامع المسائل (٢/ ٣٠٣)، ولا يستقيم المعنى إلا به.