إذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ لَمْ يَحُز (١) الْمَالَ؛ بَل: إمَّا أَنْ يَسْقُطَ وَإِمَّا أَنْ يَأخُذَ بَعْضَهُ.
وَالْقُرْآنُ قَد بَيَّنَ أَنَّ الْبِنْتَ إنَّمَا تَأخُذُ النِّصْفَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِنْتَ لَا تَمْنَعُهُ النِّصْفَ الْآخَرَ إذَا لَمْ يَكُن إلَّا بِنْتٌ وَأَخٌ.
وَلَمَّا كَانَ فُتْيَا اللهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَلَالَةِ، وَالْكلَالَةُ: مَن لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَلَد: عُلِمَ أَنَّ مَن لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَوَالِدٌ لَيْسَ هَذَا حُكْمُهُ.
وَلَمَّا كَانَ قَد بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْأَخَ يَحُوزُ الْمَالَ -مَالَ الْأُخْتِ- فَيَكُونُ لَهَا عَصَبَةً: كَانَ الْأَبُ أَنْ يَكونَ لَهُ عَصَبَةً بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ وَالْأخُ عَصَبَةً فَالِابْنُ بِطَرِيقِ الْأُولَى.
فَلَمَّا دَلَّ الْقرْآنُ عَلَى أَنَّ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، وَأَنَهُ مَعَ ذُكُورِ الوَلَدِ (٢) يَكُونُ الِابْنُ عَاصِبًا يَحْجُبُ الْأُخْتَ كَمَا يَحْجُبُ أَخَاهَا: بَقِيَ حالُ (٣) الْأُخْتِ مَعَ إنَاثِ الْوَلَدِ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَنْفِي مِيرَاثَ الْأُخْتِ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
وَلَا وَجْهَ لِسُقُوطِهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تُزَاحِمُ الْبِنْتَ، وَأَخُوهَا لَا يَسْقُطُ، فَلَا تَسْقُط هِيَ.
وَقَد دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَن ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا ذُكرَ لَهُ أَنَّ أَبَا مُوسَى وَسَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَا فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَللْأُخْتِ النِّصْفُ، وائت ابْنُ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنَا، فَقَالَ: لَقَد ضَلَلْت إذًا وَمَا أَنَا مِن الْمُهْتَدِينَ، لَأَقْضِيَن فِيهَا بِقَضَاءِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَبِنْت الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ لِلْأُخْتِ.
فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ، وَالْأُخْتَ تَكُونُ عَصَبَةً بِغَيْرِهَا وَهُوَ أَخُوهَا، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ.
وَقَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "ألْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأهِلِهَا" (٤) إلَخْ فَهَذَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْمُعْتَقَةُ
(١) أي: الأخ.
(٢) في الأصل: ولد، والتصويب من جامع المسائل (٢/ ٣٢٢).
(٣) ما بين المعقوفتين من جامع المسائل (٢/ ٣٢٢).
(٤) رواه البخاري (٦٧٣٢)، ومسلم (١٦١٥).