فَأَجَابَ: لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، فَإنَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ نِكَاحَ هَذِهِ صَحِيحٌ وَإِن كَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.
وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَقْبُحُ، فَإِنَّهَا مِن أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنَّهُم لَا يَتَكَلَّمُونَ فِي صِحَّةِ النكَاح حِين كَانَ يَطَؤُهَا ويسْتَمْتِعُ بِهَا، حَتَّى إذَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا أَخَذُوا يَسْعَوْنَ فِيمَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ حَتَّى لَا يُقَالَ: إنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ.
وَهَذَا مِن الْمُضَادَّةِ للهِ فِي أَمْرِهِ، فَإنَّهُ حِينَ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا لَمْ يَتَحَرَّ وَلَمْ يَسْألْ، فَلَمَّا حَرَّمَهُ اللهُ أَخَذَ يَسْألُ عَمَّا يُبَاحُ بِهِ الْوَطْءُ (١)! وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ فِي الْمُحَرَّمِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ فَاسِقٌ. ٣٢/ ٩٧ - ٩٨
٤٢٨٧ - وَسُئِلَ -رحمه الله-: عَن رَجُلٍ أقَرَّ عِنْدَ عُدُولٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ مِن مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى الْمُدَّةِ الشَرْعِيَّةِ، فَهَل يَجُوز لَهُم تَزْوِيجُهَا لَهُ الْآنَ؟
فَأجَابَ: أَمَّا إنْ كَانَ الْمُقِرُّ فَاسِقًا أَو مَجْهُولًا: لَمْ يُقْبَل قَولهُ فِي إسْقَاطِ الْعِدَّةِ الَّتِي فِيهَا حَقُّ اللهِ، وَلَيْسَ هَذَا إقْرَارًا مَحْضًا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يُقْبَلَ مِن الْفَاسِقِ؛ بَل فِيهِ حَق للهِ؛ إذ فِي الْعِدَّةِ حَقُّ اللهِ (٢) وَحَقٌّ لِلزَّوْجِ.
وَأمَّا إذَا كَانَ عَدْلًا غَيْرَ مُتَّهَم: مِثْل أَنْ يَكُونُ غَائِبًا فَلَمَّا حَضَرَ أَخْبَرَهَا أنَّهُ طَلَّقَ مِن مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا، فَهَل تَعْتَد مِن حِينِ بَلَّغَهَا الْخَبَرَ إذَا لَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيّنَةٌ؟ أو مِن حِينِ الطَّلَاقِ كَمَا لَو قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ عَن أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ هُوَ الثَّاني. ٣٢/ ١٠٥
(١) وهذا يحدث كثيرًا ممن قل ورعه، وضعف دينُه.
(٢) في الفتاوى الكبرى: (حَقٌّ لِلَّهِ)، وهو أصوب.