وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: "لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ كلُّهَا فِي ذَاتِ اللهِ" (١).
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} الأنفال: ١ {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٦)} الحديد: ٦ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَإِنَّ ذَاتَ تَأْنِيثُ (ذُو)، وَهُوَ يُسْتَعْمَل مُضَافًا يُتَوَصَّل بِهِ إلَى الْوَصْفِ بِالْأَجْنَاسِ، فَإِذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ مُذَكَّرًا قِيلَ ذُو كَذَا، وَإِن كَانَ مُؤَنَّثًا قِيلَ ذَاتُ كَذَا.
فَإِنْ قِيلَ: أُصِيبَ فُلَانٌ فِي ذَاتِ اللهِ، فَالْمَعْنَى فِي جِهَتِهِ وَوُجْهَتِهِ؛ أَيْ: فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَأَحَبَّهُ وَلِأجْلِهِ.
وَفَصْلُ الْخِطَابِ: أنَّهَا لَيْسَتْ مِن الْعَرَبِيَّةِ الْعَرْبَاءِ؛ بَل مِن الْمُوَلَّدَةِ؛ كَلَفْظِ الْمَوْجُودِ، وَلَفْظِ الْمَاهِيَّةِ، وَالْكَيْفِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي وُجُودَ صِفَاتٍ تُضَافُ الذَّاتُ إلَيْهَا، فَيُقَالُ: ذَاتُ عِلْمِ، وَذَاتُ قُدْرَةٍ، وَذَاتُ كَلَامٍ، وَالْمَعْنَى كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُجُودُ شَيْءٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ فِي الْخَارجِ لَا يَتَّصِفُ بِصِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ أَصْلًا؛ بَل فَرْضُ هَذَا فِي الْخَارِجِ كَفَرْضِ عَرَضٍ يَقُومُ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ. ٦/ ٩٩
* * *
(العقل لا يُلغى ولا يُعطى فوق ما يستحقّه)
٣٣٢ - كثِيرٌ مِن الْمُتَصَوِّفَةِ يَذُمُّونَ الْعَقْلَ ويعِيبُونَهُ، ويرَوْنَ أنَّ الْأحْوَالَ الْعَالِيَةَ وَالْمَقَامَاتِ الرَّفِيعَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا مَعَ عَدَمِهِ، وَيُقِرُّونَ مِن الْأمُورِ بِمَا يُكَذِّبُ بِهِ صَرِيحُ الْعَقْلِ.
ويمْدَحُونَ السُّكرَ وَالْجُنُونَ وَالْوَلَهَ، وَأُمُورًا مِن الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ التِي لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ زَوَالِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ.
(١) رواه مسلم (٢٣٧١)، بلفظ: "ثنتين في ذات الله … ".