وَالسَّبْعِينَ: لَا بُدَّ لَهُ مِن دَلِيلٍ؛ فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْقَوْلَ بِلَا عِلْمٍ عُمُومًا، وَحَرَّمَ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ خُصُوصًا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الإسراء: ٣٦.
وَأَيْضًا: فَكَثِيرٌ مِن النَّاسِ يُخْبِرُ عَن هَذِهِ الْفِرَقِ بِحُكْمِ الظَّنِّ وَالْهَوَى، فَيَجْعَلُ طَائِفَتَهُ وَالْمُنْتَسِبَةَ إلَى مَتْبُوعِهِ الْمُوَالِيَةَ لَهُ هُم أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَيَجْعَلُ مَن خَالَفَهَا أَهْلَ الْبِدَعِ، وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ.
فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ: لَا يَكُون مَتْبُوعُهُم إلَّا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَن الْهَوَى، إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى، فَهوَ الَّذِي يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي كُل مَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِي كُل مَا أمَرَ.
وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ مِن الْأَئِمَّةِ؛ بَل كُلُّ أَحَدٍ مِن النَّاسِ يُؤْخَذُ مِن قَوْلِهِ ويُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.
فَمَن جَعَلَ شَخْصًا مِن الْأشْخَاصِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَن أحَبَّهُ وَوَافَقَهُ كَانَ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَمَن خَالَفَهُ كَانَ مِن أهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ: كَانَ مِن أَهْلِ الْبِدَع وَالضَّلَالِ وَالتَّفَرُّقِ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أحَق النَاسِ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةُ النَاجِيَةُ: أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ (١)، الَّذِينَ لَيْسَ لَهُم مَتْبُوعٌ يَتَعَصَّبُونَ لَهُ إلَّا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهْم أَعْلَمُ النَّاسِ بِأقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَأعْظَمُهُم تَمْيِيزًا بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا، وَأَئِمَّتُهُم فُقَهَاءُ فِيهَا، وَأَهْلُ مَعْرِفَةٍ بِمَعَانِيهَا وَاتِّبَاعًا لَهَا، تَصْدِيقًا وَعَمَلًا، وَحُبًّا وَمُوَالَاةً لِمَن وَالَاهَا، وَمُعَادَاةَ لِمَن عَادَاهَا، الَّذِينَ يردون (٢) الْمَقَالَاتِ الْمُجْمَلَةَ إلَى مَا جَاءَ بِهِ
(١) وأهل الحديث مصطلحٌ يُقصد به: الذين يعلمونه ويعملون به، ولا يُقدمون عليه قياسًا ولا رأيًا ولا قول أحد من الناس.
والشيخ لم يقل: بأنهم هم الفرقة الناجية، بل قال: أحق الناس بِأنْ تَكُونَ هِيَ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَة.
(٢) في الأصل: (يَرْوُونَ)، ولعل الصواب المثبت.