فَقَد نُقِلَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُ {الْمُحْصَنَاتِ} بِالْحَرَائِرِ وَبِالْعَفَائِفِ، وَهَذَا حَقٌّ.
وَلَفْظُ الْمُحْصَنَاتِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْحَرَائِرُ: فَالْعِفَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِحْصَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُحْصَنَةِ هِيَ الْعَفِيفَةُ الَّتِي أحْصِنَ فَرْجُهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} التحريم: ١٢.
ثمَّ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الْحُرَّةَ عِنْدَهُم لَا تُعْرَفُ بِالزِّنَا، وَإِنَّمَا تعْرَفُ بِالزنى الْإِمَاءُ، وَلهَذَا لَمَّا بَايَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- هِنْدَ امْرَأةَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى أَلَّا تَزْنِيَ قَالَتْ: أَوَ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟
فَهَذَا لَمْ يَكُن مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ.
وَالْحُرَّةُ خِلَاف الْأَمَةِ صَارَتْ فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ أَنَّ الْحُرَّةَ هِيَ الْعَفِيفَةُ؛ لِأنَّ الْحُرَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ أَمَةً كانت مَعْرُوفَةً عِنْدَهُم بِالْعِفَّةِ، وَصَارَ لَفْظُ الْإِحْصَانِ يَتَنَاوَلُ الْحُرّيَّةَ مَعَ الْعِفَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ لَمْ يمُنْ عَفَائِفَ. ٣٢/ ١٢١ - ١٢٢
* * *
(حكم زواج الرجل من ابنته من الزِّنَا؟)
٤٤٠٧ - وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّه -: عَن بِنْتِ الزِّنَا: هَل تزَوَّجُ بِأَبِيهَا؟
فَأَجَابَ: مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِن الْعُلَمَاءِ أَنَهُ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِهَا، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، حَتَّى تَنَازَعَ الْجُمْهُورُ: هَل يُقْتَلُ مَن فَعَلَ ذَلِكَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُتَأَوّلَ الْمَعْذُورَ لَا يَفْسُقُ؛ بَل وَلَا يَأْثَمُ.
فَإِذَا كَانَ يَحْرمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَهُ مِن الرِّضَاعِ، وَلَا يَثْبُتَ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِن أَحْكَامِ النَّسَبِ -سِوَى التَّحْرِيمِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِن الْحُرْمَةِ-: فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ بِنْتٍ خُلِقَتْ مِن مَائِهِ؟ وَأَيْنَ الْمَخْلُوقَةُ مِن مَائِهِ مِن الْمُتَغَذِّيَةِ بِلَبَنٍ دُرَّ بِوَطْئِهِ؟ ٣٢/ ١٣٤ - ١٣٦
* * *