وَإِن كَانَ لَهَا حَقٌّ وَاجِبٌ حَالٌّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ فَمَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ الشَّرْعِيِّ: كَانَ ظَالِمًا، فَإِذَا كَانَت مَعَ هَذَا بَاذِلَةً مَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ. ٣٤/ ٩٧
٤٥٥٢ - قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِهِنْد: "خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ" (١) فَإِنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ وَللْوَلَدِ حَقٌّ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ أَبَا سُفْيَانَ جَحْدُهُ (٢). ٣٠/ ١٥٠
* * *
هل القول قول الزوج في إنفاقه على زوجته وكسوته لها؟
٤٥٥٣ - إذَا كَانَت الْمَرْأَةُ مُقِيمَةً فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مُدَّةً تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ وَتَكْتَسِي كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، ثُمَّ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ هِيَ: أَنْتَ مَا أَنْفَقْت عَلَيَّ وَلَا كَسَوْتَنِي؛ بَل حَصَلَ ذَلِكَ مِن غَيْرِك.
وَقَالَ هُوَ: بَل النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ كَانَت مِنِّي: فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهُمَا: الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُصْدِقَهَا تَعَلُّمَ صِنَاعَةٍ وَتَتَعَلَّمُهَا، ثُمَّ يَتَنَازَعَانِ فِيمَن عَلَّمَهَا فَيَقُولُ هُوَ: أَنَا عَلَّمْتهَا، وَتَقُولُ هِيَ: أَنَا تَعَلَّمْتهَا مِن غَيْرِهِ: فَفِيهَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد، وَالصَّحِيحُ مِن هَذَا كُلّهِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَن يَشْهَدُ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
(١) رواه البخاري (٥٣٦٤).
(٢) فجاز لها أن تأخذ من ماله بقدر ما لها من حق؛ لأن حق أبي سفيان عليها ظاهر معلوم وجوبُه، لا يُمكنه جحدُه، أما إذا كان الحق خفيًّا فلا يجوز أخذه بدون إذن صاحبه؛ لِمَا يجر على الآخر من التهمة والشر، كما قَيل للنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنَ لَنَا جِيرَانًا لَا يَدَعُونَ لَنَا شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إلَّا أَخَذُوهَا، فَإِذَا قَدَرْنَا لَهُم عَلَى شَيء أفَنَأخُذُهُ؛ فَقَالَ: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَن ائْتَمَنَك وَلَا تَخنْ مَن خَانَك".
قال شيخ الإسلام: لِأنَّ الْحَق هُنَا خَفِيٌّ لَا يَفُوتُهُ الظُّلْمُ، فَإِذَا أَخَذَ شَيْئًا مِن غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ ظَاهِرٍ كَانَ خِيَانَةً. (٣٠/ ١٥٠)