فَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْوَاجِبُ: الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ مِن أُمُورِ النِّكَاحِ وَحُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ، فَكَمَا أَنَّ مَا يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ مِن الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ هُوَ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْعُرْفُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ فِي حَالِهِمَا نَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً، وَإِن كَانَ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِهِمَا مِن الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالزَّمَانِ؛ كَالشّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْمَكَانِ، فَيُطْعِمُهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ مِمَّا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُوَ الْعُرْفُ بَيْنَهُم.
وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِن الْمُتْعَةِ وَالْعِشْرَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا وَيَطَأهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِهَا وَحَالِهِ.
وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَطْءِ الْوَاجِبِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَعْرُوفِ لَا بِتَقْدِير مِن الشَّرْعِ.
وَالْمِثَالُ الْمَشْهُورُ هُوَ النَّفَقَةُ، فَإِنَّهَا مُقَدَّرَة بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْهُم مَن قَالَ: هِيَ مُقَدَّرَة بِالشَّرْعِ نَوْعًا وَقَدْرًا.
وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ مَا عَلَيْهِ الْأمَّةُ عِلْمًا وَعَمَلًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ فَإِنَّ الْقرْآنَ قَد دَلَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْكِفَايَة بِالْمَعْرُوفِ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكِفَايَةَ بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِحَالَةِ الزَّوْجَةِ فِي حَاجَتِهَا، وَبِتَنَوُّعِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَبِتَنَوُّعِ حَالِ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَاره، وَلَيْسَتْ كِسْوَةُ الْقَصيرَةِ الضَّئِيلَةِ كَكسْوَةِ الطَّوِيلَةِ الْجَسِيمَةِ، وَلَا كِسْوَةُ الشّتَاءِ كَكِسْوَةِ الصَّيْفِ.
وَأَمَّا الْإِنْفَاقُ فَقَد قِيلَ: إنَّ الْوَاجِبَ تَمْلِيكَهَا النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ التَّمْلِيكُ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ فَإِنَ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرُوفَ؛ بَل عُرْفُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ يَأتِي بِالطَّعَامِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَأكُلُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَمَمْلُوكهُ: تَارَةً جَمِيعًا وَتَارَةً أَفْرَادًا.