وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَاءِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَنِيَّ، وَإِن كَانَ يُسَمَّى مَاءً مَعَ التَّقْيِيدِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦)} الطارق: ٦. ٣٢/ ٣٠٥
٤٥٩٩ - فِي حَدِيثِ فَيْرُوزَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "طَلِّقْ أيَّتَهمَا شِئْت" (١) لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ: الطَّلَاق الْمَعْدُود عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا؛ بَل الْمُرَادُ مِنْهُ: فِرَاقًا لَيْسَ مِن الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِنَصِّ الطَلَاقِ الْمَعْدُودِ؛ بَل يُفَارِقُهَا عِنْدَهُم بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ.
وَالْخلْعُ مِن هَذَا الْبَابِ، فَقَد رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" (٢) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَت النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ في (٣) خلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أترُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْبَل الْحَدِيقَةَ وَطلِّقْهَا تَطْلِيقَة".
وَقَد ثَبَتَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ الْخُلْعَ مِن الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ. ٣٢/ ٣١٨ - ٣٢٢
٤٦٠٠ - وَسُئِلَ -رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى-: عَن رَجُلٍ لَهُ امْرَأَةٌ كَسَاهَا كُسْوَة مُثَمَّنَةً. خَارِجًا عَن كسْوَةِ الْقِيمَةِ، وَطَلَبَتْ مِنْهُ الْمُخَالَعَةَ وَعَلَيْهِ مَالٌ كَثِيرٌ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَيْهِ، وَطَلَبَ حِلْيَةً مِنْهَا لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى حَقِّهَا أَو عَلَى غَيْرِ حَقِّهَا فَأَنْكَرَتْهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَحْلِفُ وَتَأخُذُ الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَهَا وَالثَّمَنُ يَلْزَمُهُ، وَلَمْ يَكُن لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهَا؟
فَأَجَابَ: إنْ كَانَ قَد أَعْطَاهَا ذَلِكَ الزَّائِدَ عَن الْوَاجِبِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لَهَا فَقَد مَلَكَتْهُ، وَلَيْسَ لَهُ إذَا طَلَّقَهَا هُوَ ابْتِدَاءً أَنْ يُطَالِبَهَا بِذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَت
(١) رواه أبو داود (٢٢٤٣)، وابن ماجة (١٩٥١)، وأحمد (١٨٠٤٠)، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.
(٢) (٥٢٧٣).
(٣) في الأصل: (من)، والتصويب من صحيح البخاري.