لِأَنَّ الْمَرْأَةَ افْتَدَتْ نَفْسَهَا مِن الزَّوْجِ كَافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ، وَلَيْسَ هُوَ مِن الطَّلَاقِ الْمَكْرُوهِ فِي الْأَصْلِ، وَلهَذَا يُبَاحُ فِي الْحَيْضِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ.
وَأمَّا إذَا عَدَلَ هُوَ عَن الْخُلْعِ وَطَلَّقَهَا إحْدَى الثَّلَاتِ بِعِوَض فَالتَّفْرِيطُ مِنْهُ.
وَإِذْا (١) كَانَ الْخُلْعُ رَفْعًا لِلنِّكَاحِ، وَلَيْسَ هُوَ مِن الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ مِن الْمَرْأَةِ أَو مِن أَجْنَبِيٍّ. ٣٢/ ٩١ - ٩٢
٤٦٠٣ - ظاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّهُ أي: الخلع فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَفَسْخٌ لِلنِّكَاحِ، وَلَيْسَ مِن الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ.
فَلَو خَلَعَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْد جَدِيدٍ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ؛ كَإِسْحَاقِ بْنِ رَاهَوَيْه وَأَبِي ثَوْرٍ ودَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَة، وَهُوَ ثَابِتٌ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ؛ كطاوس وَعِكْرِمَةَ.
والْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِن الثَّلَاثِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِن السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ. وَيُنْقَلُ ذَلِكَ عَن عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِىٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِن أَئِمَّةِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ؛ كَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِي وَغَيْرِهِمْ النَّقْلَ عَن هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يُصَحّحُوا إلَّا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَهُ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاق.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} البقرة: ٢٢٩، ٢٣٠ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَد ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى الْفِدْيَةَ
(١) في الأصل: (وإذ)؛ ولعل المثبت هو الأقرب للصواب.