قَالَ اللهُ قَالَ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} بَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ (١) هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَحَقَّ بِرَدِّها: هُوَ مَرَّتَانِ، مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمَا إذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ: سَبِّحْ مَرَّتَيْنِ، أَو سَبِّحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللّهِ سُبْحَانَ اللهِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْعَدَدَ.
فَلَو أَرَادَ أَنْ يُجْمِلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللّهِ مَرَّتَيْنِ أَو مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَكُن قَد سَبَّحَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَاللهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ: الطَّلَاقُ طَلْقَتَانِ؛ بَل قَالَ: {مَرَّتَانِ}، فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو عَشْرًا أَو أَلْفًا: لَمْ يَكُن قَد طَلَّقَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِأُمِّ الْمُؤمِنِينَ جُوَيْرِيَّةَ: "لَقَد قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَو وُرنَتْ بِمَا قُلْته مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رضى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" (٢).
فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْتَحِقُّ التَّسْبِيحَ بِعَدَدِ ذَلِكَ؛ كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ"، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ سَبَّحَ تَسْبِيحًا بِقَدْرِ ذَلِكَ؛ فَالْمِقْدَارُ تَارَةً يَكُونُ وَصْفًا لِفِعْلِ الْعَبْدِ، وَفِعْلُهُ مَحْصُورٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ فَذَاكَ الَّذِي يَعْظُمُ قَدْرُهُ، وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَمَا شَرَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُسَبَّحَ دُبُرَ كُلّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُحَمَّدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَلَوْ قَالَ: سُبْحَانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَاللّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَة.
وَلَا نَعْرِفُ أَنَّ أَحَدًا طَلَّقَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَلْزَمَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالثَّلَاثِ، وَلَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ، وَلَا
(١) في الآيات التي قبلها.
(٢) (٢٧٢٦).