السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (١).
فَالْيَمِينُ الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا الْحَضَّ أَو الْمَنْعَ أَو التَّصْدِيقَ أَو التَّكْذِيبَ - بِالْتِزَامِهِ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ مَا يَكْرَهُ وُقُوعَهُ- سَوَاءٌ كَانت بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، أَو بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ: يَمِينٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِن الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ. ٣٣/ ١٤٠ - ١٤٢
* * *
(حكم جَمْع الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ)
٤٦٦٨ - وَأَمَّا جَمْعُ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ: فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مُحَرَّمٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَن بَعْدَهُمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ أَحْمَد: تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَإِذَا كُلُّ طَلَاقٍ فِيهِ فَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ - يَعْنِي: طَلَاقَ الْمَدْخُولِ بِهَا- غَيْرَ قَوْلِهِ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} البقرة: ٢٣٠.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَهَل لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ، بِأَنْ يُفَرِّقَ الطَّلَاقَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، فَيُطَلِّقَهَا فِي كُل طُهْرٍ طَلْقَةً؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَد:
إحْدَاهُمَا: لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلٌ طَائِفَةٍ مِن السَّلَفِ، وَمَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ.
وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأصَحُّ الرَّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمَد الَّتِي اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ.
وَالْقَوْلُ الثانِي: أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِمُحَرَّم؛ بَل هُوَ تَرْكُ الْأَفْضَلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَن أَحْمَد، اخْتَارَهَا الخرقي.
(١) قال الشيخ: وَلَمْ يَكُن هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ حَالِفًا، بَل هُوَ مُعَلِّقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ بِصِيغَةِ الْقَسَم، وَمَعْنَى كَلَامِهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ، فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ هُنَا عِنْدَ الْحِنْثِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَمَقْصُودُهُ مَقْصُودُ التَّعْلِيقِ. اهـ. (٣٣/ ١٥١)