(بَاب طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَنَحْوه)
٤٦٦٩ - لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ السَّكْرَانِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَان إذَا طَلَّقَ، وَهَذَا ثَابِت عَن أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عفان، وَلَمْ يَثْبُتْ عَن الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ فِيمَا أَعْلَمُ، وَهُوَ قَوْلُ كثِيرٍ مِن السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ؛ فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَن مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يستنكهوه؛ لِيَعْلَمُوا هَل هُوَ سَكْرَانُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ سَكْرَانَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ عُلِمَ أَنَّ أَقْوَالَهُ بَاطِلَةٌ كَأَقْوَالِ الْمَجْنُونِ.
وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ وَإِن كَانَ عَاصِيًا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُن لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ (١)، وَإِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَصَارَ هَذَا كَمَا لَو تَنَاوَلَ شَيْئًا مُحَرَّمًا جَعَلَهُ مَجْنُونًا؛ فَإِنَّ جُنُونَهُ وَإِنْ حَصَلَ بِمَعْصِيَة فَلَا يَصِحُّ طَلَاقهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِن أَقْوَالِهِ. ٣٣/ ١٠٢ - ١٠٣
* * *
حكم طلاق المكره
٤٦٧٠ - إذَا أُكْرِهَ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ كَمَالِك وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَن أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَعُمَر بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ (٢).
وَإِذَا كَانَ حِينَ الطَّلَاقِ قَد أَحَاطَ بِهِ أَقْوَامٌ يُعْرَفُونَ بِأَنَّهُم يُعَادُونَهُ أَو
(١) قال الشيخ: وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْقَصْدِ: الْقَصْدُ الْعَقْلِيِّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْعَقْلِ، فَأمَّا الْقَصْدُ الْحَيَوَانِيُّ الَّذِي يَكُونُ لِكُلِّ حَيَوَانٍ فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُجُودِ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِن الْألْفَاظِ وَالْأفْعَالِ، وَهَذَا وَحْدَهُ غَيْرُ كَافٍ فِي صِحَّةِ الْعُقُودِ وَالْأقْوَالِ. (٣٣/ ١٠٥)
(٢) ومن أمثلة الإكراه بغير حق: قال الشيخ: "إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ بِأَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَن وَفَاءِ الدِّيْنِ وَأكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ وَإِلَّا حُبِسَ وَضُرِبَ: لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَا حِنْثَ فِيهَا". (٣٣/ ٢٣٦)