النَّاسُ مِن ظَاهِرِهِ: فَلَفْظَة "الظَّاهِرِ" قَد صَارَتْ مُشْتَرَكَةً؛ فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ وَاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَالدِّينِ الْقَيِّمِ وَلسَانِ السَّلَفِ غَيْرُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ كَثِيرٍ مِن الْمُتَأَخّرِينَ.
فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِالظَّاهِرِ شَيْئًا مِن الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ مِن خَصَائِصِ الْمُحْدثِينَ، أَو مَا يَقْتَضِي نَوْعَ نَقْصٍ، بِأَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الاِسْتِوَاءَ مِثْل اسْتِوَاءِ الْأَجْسَامِ عَلَى الْأَجْسَامِ، أو كَاسْتِوَاءِ الْأَرْوَاحِ إنْ كَانَتْ لَا تَدْخُلُ عِنْدَهُ فِي اسْمِ الْأَجْسَامِ: فَقَد حَنِثَ فِي ذَلِكَ وَكَذَبَ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ.
وَإِن أَرَادَ الْحَالِفُ بِالظَّاهِرِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي فِطَرِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ظُهُورِ الْأَهْوَاءِ وَتَشَتُّتِ الْآرَاءِ، وَهُوَ الظَاهِرُ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سبحانه وتعالى.
كَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي سَائِرِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِن أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا.
فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّن فِي عُرْفِ خِطَابِهِ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ مَا هُوَ مُمَاثِلٌ لِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ: فَقَد حَنِثَ.
وَإِن كَانَ فِي غرْفِ خِطَابِهِ أَنَّ ظَاهِرَهَا هُوَ مَا يَلِيقُ بِاللهِ تَعَالَى: لَمْ يَحْنَثْ.
وَإِن لَمْ يَعْلَمْ عُرْفَ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَمْ يَكُن سَبَبٌ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مُرَادِهِ وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِنِيَّتِهِ: فَقَد جَازَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعْنًى صَحِيحًا، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعْنًى بَاطِلًا فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ.
وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ مَن يَقُولُ: إنَّ مَن حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ حَنِثَ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَن لَمْ يُحَنِّثْهُ فَالْحُكْمُ فِي يَمِينِهِ ظَاهِرٌ (١). ٣٣/ ١٦٩ - ١٨٢
* * *
(١) والقول الثاني هو الذي اختاره الشيخ رحمه الله كما سيأتي في باب الأيمان.