ويقُولُ أَحَدُهُم: مَا أُبَالِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ؟ عَلَى أَنْ هَدَانِي اللهُ لِلْإِسْلَامِ، أَو أَنْ جَنَّبنِي هَذ الْأَهْوَاءَ.
وَاللهُ تَعَالَى قَد سَمَّانَا فِي الْقُرْآنِ الْمُسْلِمِينَ، الْمُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللهِ، فَلَا نَعْدِلُ عَن الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّانَا اللهُ بِهَا إلَى أَسْمَاء أَحْدَثَهَا قَوْمٌ -وَسَمَّوْهَا هُم وَآبَاؤُهُم- مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ.
بَل الْأَسْمَاءُ الَّتِي قَد يَسُوغُ التَّسَمِّي بِهَا: مِثْل انْتِسَابِ النَّاسِ إلَى إمَامٍ كَالْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، أَو إلَى شَيْخٍ كَالْقَادِرِيِّ والعدوي وَنَحْوِهِمْ، أَو مِثْل الِانْتِسَاب إلَى الْقَبَائِلِ؛ كَالْقَيْسِيِّ وَالْيَمَانِيِّ، وَإِلَى الْأَمْصارِ كَالشَّامِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْمِصْرِيِّ (١).
فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ بِهَا، وَلَا يُوَالِيَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَا يُعَادِيَ عَلَيْهَا (٢)؛ بَل أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُم مِن أَيِّ طَائِفَةٍ كَانَ.
وَاللهُ سُبْحَانَهُ قَد أَوْجَبَ مُوَالَاةَ الْمُومِنِينَ بَعْضهُم لِبَعْض، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِم مُعَادَاةَ الْكَافِرِينَ.
فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} المائدة: ٥٥ (٣).
(١) ذكر الشيخ أنه في هذه الحالة قد يسوغ التسمي بهذه الأسماء، وذلك في حالة عدم التعصب لمن انتسب إليه، وعدمِ عيبِ من عاداه، وعدمِ أخذه أقواله على جهة التسليم، وإذا كان بخلاف ذلك فلا يسوغ.
(٢) هذه الحالة التي لا يسوغ التسمي بهذه الأسماء.
(٣) قال الشيخ رَحِمَه الله: يأمر سبحانه بموالاة المؤمنين حقًّا -الذين هم حزبه وجنده- ويخبر أن هؤلاء لا يوالون الكافرين ولا يوادونهم.
والموالاة والموادة: وإن كانت متعلقة بالقلب، لكن المخالفة في الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين ومباينتهم.
ومشاركتهم في الظاهر: إن لم تكن ذريعة أو سببًا قريبًا أو بعيدًا إلى نوع مَّا من الموالاة والموادة، فليس فيها مصلحة المقاطعة والمباينة، مع أنها تدعو إلى نوع ما من المواصلة -كما توجبه الطبيعة وتدل عليه العادة- ولهذا كان السلف -رضي الله عنهم- يستدلّون بهذه الآيات على ترك الاستعانة بهم في الولايات. اقتضاء الصراط المستقيم: (ص ١٨٤).