أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُحَرِّمُ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ، وَهِيَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ.
وَالثَّانِي: لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَيُحَرِّمُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ؛ لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- في "الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ": "لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ" (١)، فَنَفَى التَّحْرِيمَ عَنْهُمَا وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْعُمُومِ وَالْمَفْهُومِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِر مَذْهَبِ أَحْمَد؛ لِحَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ:
أ - حَدِيثِ عَائِشَةَ: "إنَ مِمَّا نَزَلَ عِن الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نسخن بِخَمْس مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ" (٢).
ب - وَلأَمْرِهِ -صلى الله عليه وسلم- لِامْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عتبة بْنِ رَبِيعَةَ أَنْ تُرْضِعَ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَة بْنِ رَبِيعَةَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ لِيَصِيرَ مَحْرَمًا لَهَا بِذَلِكَ (٣).
وَعَلَى هَذَا: فَالرَّضْعَةُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد لَيْسَتْ هِيَ الشِّبْعَةُ، وَهُوَ أَنْ يَلْتَقِمَ الثَّدْيَ ثُمَّ يسيبه ثُمَّ يَلْتَقِمَهُ ثُمَّ يسيبه حَتَّى يَشْبَعَ؛ بَل إذَا أَخَذَ الثَّدْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَهِيَ رَضْعَةٌ، سَوَاءٌ شَبعَ بِهَا أَو لَمْ يَشْبَعْ إلَّا بِرَضَعَات. ٣٤/ ٣٥ - ٣٦
* * *
حكم إرضاع الكبير
٤٧٧٦ - الرَّضَاعُ الْمُحَرِّمُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ؛ فَإِنَّ تَمَامَ الرَّضَاعِ حَوْلَانِ كَامِلَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} البقرة: ٢٣٣، وَمَا كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الرَّضَاعَةِ فَلَيْسَ مِن الرَّضَاعَةِ؛ وَلهَذَا كَانَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُم عَلَى أنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَاحْتَجّوا بِمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٤) عَن عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
(١) رواه مسلم (١٤٥١).
(٢) رواه مسلم (١٤٥٢).
(٣) رواه مسلم (١٤٥٣).
(٤) البخاري (٢٦٤٧)، ومسلم (١٤٥٥).