وَلهَذَا كَانَ مَن قَالَ هَذَا في (١) مَوْضِعٍ يَتَنَاقَضُ وَلَا يَطَّرِدُ أَصْلُهُ؛ وَلِهَذَا تَجِدُ لِمَن لَمْ يَضْبِطْ أَصْلَ الشَّرْعِ وَمَقْصُوده فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً، حَتَّى تُوجَدَ فِي الْحَضَانَةِ مِن الْأَقْوَالِ الْمُتَنَاقِضَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِن هَذَا الْجِنْسِ (٢).
وَإِنَ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْأمَّ قُدِّمَتْ لِتَقَدُّمِ قَرَابَةِ الْأُمِّ: لَمَّا كَانَ أَصْلُهُم ضَعِيفًا كَانَت الْفُرُوعُ اللَّازِمَةُ لِلْأَصْلِ الضَّعِيفِ ضَعِيفَةً، وَفَسَادُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْمَلْزُومِ.
بَل الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ أَنَّهَا قُدِّمَتْ لِكَوْنِهَا امْرَأَةً، فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ أحَقَّ بِحَضَانَةِ الصَّغِيرِ مِن الرَّجُلِ، فَتُقَدَّمُ الْأمُّ عَلَى الْأَبِ، وَالْجَدَّةُ عَلَى الْجَدِّ، وَالْأُخْتُ عَلَى الْأَخِ، وَالْخَالَةُ عَلَى الْخَالِ، وَالْعَمَّةُ عَلَى الْعَمِّ.
فَتَخْيِيرُ الصَّبِيِّ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السنَّةُ أَوْلَى مِن تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لَهُ .. وَالتَّخْيِيرُ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ؛ وَلهَذَا قَالُوا: إذَا اخْتَارَ الْأَبَ مُدَّةً ثُمَّ اخْتَارَ الْأُمَّ فَلَهُ ذَلِكَ، حَتَّى قَالُوا: مَتَى اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ نُقِلَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إن اخْتَارَ ابَدًا.
وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِينَ بِالتَّخْيِيرِ: الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد بْنُ
(١) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل، والمثبت من جامع المسائل (٣/ ٤١٢)، ومختصر الفتاوى المصرية (٦٢٣) وهو الصواب.
(٢) ويظهر التناقض في قول صاحب الزاد في باب الحضانة: الأَحَقُّ بِهَا أُمٌّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، ثُمَّ أَبٌ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذلِكَ، ثُمَّ جَدٌّ، ثُمَّ أمَّهَاتُهُ كَذلِكَ ثُمَّ أُخْتٌ لأَبَوَيْنِ ثُمَّ لأَمٍّ، ثُمَّ لأَبٍ، ثُمَّ خَالَةٌ لِأبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأمٍّ، ثُمَّ لِأبٍ، ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذلِكَ، ثُمَّ خَالَاتُ أُمِّهِ، ثُمَّ خَالَاتُ أَبِيهِ، ثُمَّ عَمَّاتُ أَبِيهِ.
ولذلك قال العلَّامة ابن عثيمين -رَحِمَه اللّه-: وهذا الترتيب الذي ذكره المولف ليس مبنيًّا على أصل من الدليل، ولا من التعليل، وفيه شيء من التناقض، والنفس لا تطمئن إليه، ولهذا اختلف العلماء في الترتيب في الحضانة على أقوال متعددة، ولكنها كلها ليس لها أصل يعتمد عليه، لذلك ذهب شيخ الإسلام -رَحِمَه اللّه-: إلى تقديم الأقرب مطلقًا، سواء كان الأب، أو الأم، أو من جهة الأب، أو من جهة الأم، فإن تساويا قدمت الأنثى، فإن كانا ذكرين أو أنثيين فإنه يقرع بينهما في جهة واحدة، وإلّا تقدم جهة الأبوة. الشرح الممتع (١٣/ ٥٣٥).