فَعلِمَ قَطْعًا أَنَّهُم الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْكرِيمَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} التوبة: ١٠٠ (١).
فَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ مَن اتَّبعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ: وَلَّاهُ اللهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ.
فَمِن سَبِيلِهمْ فِي الِاعْتِقَادِ: الْإِيمَانُ بِصِفَاتِ اللهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَسَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَتَنْزِيلِهِ، أَو عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، مِن غَيْرِ زِيادَةٍ عَلَيْهَا وَلَا نَقْصٍ مِنْهَا، وَلَا تَجَاوُزٍ لَهَا وَلَا تَفْسِيرٍ لَهَا، وَلَا تَأْوِيلٍ لَهَا بِمَا يخَالِفُ ظَاهِرَهَا، وَلَا تَشْبِيهٍ لَهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَا سِمَاتِ المحدَثين؛ بَل أَمَرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ، وَرَدُّوا عِلْمَهَا إلَى قَائِلِهَا، وَمَعْنَاهَا إلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهَا.
وَعَلِمُوا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا صَادِقٌ لَا شَكَّ فِي صِدْقِهِ فَصَدَّقُوهُ، وَلَمْ يَعْلَمُوا حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا فَسَكَتُوا عَمَّا لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَأَخَذَ ذَلِكَ الْآخِرُ عَن الْأَوَّلِ، وَوَصَّى بَعْضُهُم بَعْضًا بِحُسْنِ الِاتِّباعِ، وَالْوُقُوفِ حَيْثُ وَقَفَ أَوَّلُهُمْ، وَحَذَّرُوا مِن التَّجَاوُزِ لَهُمْ، وَالْعُدُولِ عَن طَرِيقَتِهِمْ، وَبَيَّنُوا لَنَا سَبِيلَهُم وَمَذْهَبَهُمْ.
وَنَرْجُو أنْ يَجْعَلَنَا اللهُ تَعَالَى مِمَّن اقْتَدَى بِهِم فِي بَيَانِ مَا بَيَّنُوهُ، وَسُلُوكِ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكُوهُ (٢).
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُم مَا ذَكَرْنَاهُ: أَنَّهُم نَقَلُوا إلَيْنَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَأَخْبَارَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَقْلَ مُصَدِّقٍ لَهَا مُؤْمِنٍ بِهَا قَابِلٍ لَهَا، غَيْرِ مُرْتَاب فِيهَا، وَلَا شَاكِّ فِي صِدْقِ قَائِلِهَا، وَلَمْ يُفَسِّرُوا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ مِنْهَا، وَلَا تَأَوَّلُوهُ، وَلَا شَبَّهُوهُ بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ؛ إذ لَو فَعَلُوا شَيْئًا مِن ذَلِكَ لنقِلَ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُكْتَمَ بِالْكُلِّيَّةِ.
(١) فقد أخبر الله تعالى أنه رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ورضي عمن تبع هديهم وسنتهم ممن جاء بعدهم، ووعدهم بالجنة، فعُلم من هذا: أن رضوان الله وجنته لا ينالها غيرهم، فوجب معرفة هديهم والسير على خُطاهم.
(٢) آمين يا رب العالمين، ونسأل الله لكلّ من قرأ هذا الكلام أن يجعله كذلك بمنه وكرمه سُبْحانه وتعالى.