يَعْنِي: الَّذِي يَقْبَلُ الشَّفَاعَةَ.
وَلهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ -فِيمَا أَعْلَمُ- عَلَى أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَاللِّصَّ وَنَحْوَهُمَا إذَا رُفِعُوا إلَى وَليِّ الْأمْرِ ثُمَّ تَابُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُط الْحَدُّ عَنْهُمْ؛ بَل تَجِبُ إقَامَتُهُ وَإِن تَابُوا، فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي التَّوْبَةِ كَانَ الْحَدُّ كَفَّارَةً لَهُمْ، وكَانَ تَمْكِينُهُم مِن ذَلِكَ مِن تَمَامِ التَّوْبَةِ، بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا، وَالتَّمْكِينُ مِن اسْتِيفَاء الْقَصَّاصِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
هَذَا إذَا كَانَ قَد ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِقْرَارٍ وَجَاءَ مُقِرًّا بِالذَّنْبِ تَائِبًا: فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَظَاهِرُ مَذْهَب أَحْمَد: أَنَّهُ لَا تَجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ فِي مِثْل هَذِهِ الصُّورَةِ؛ بَل إنْ طَلَبَ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ أُقِيمَ، وَإِن ذَهَبَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَدٌّ.
وَعَلَى هَذَا حُمِلَ حَدِيثُ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا قَالَ: فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ، وَحَدِيثُ الَّذِي قَالَ: "أَصَبْت حَدًّا فَأقِمْهُ" مَعَ آثَارٍ أُخَرَ.
وَهَذَا الْقِسْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِن الْحُكْمِ فِي حُدُودِ اللهِ وَحُقُوقِهِ، مَقْصُودُهُ الْأَكْبَرُ: هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَن الْمُنْكَرِ.
فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ: مِثْل الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى وَليِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِالصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ جَمِيعَ مَن يَقْدِرُ عَلَى أَمْرِهِ، وَيُعَاقِبَ التَّارِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. ٢٨/ ٢٩٧ - ٣٠٧
٤٨٥٨ - أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ تَعْطِيلَ الْحَدِّ بِمَال يُؤخَذُ أَو غَيْرِهِ: لَا يَجُوزُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ مِن الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَالشَّارِبِ وَالْمُحَارِبِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِتَعْطِيلِ الْحَدِّ مَالٌ سُحْتٌ خَبِيثٌ. ٢٨/ ٣٠٣
٤٨٥٩ - أَمَّا السَّارِقُ فَيَجِبُ قَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .. وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَدِّ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَو بِالْإِقْرَارِ تَأْخِيرُهُ، لَا بِحَبْس وَلَا مَالٍ