وَكَانُوا يَشْرَبُونَ النَّبِيذَ الْحُلْوَ، وَهُوَ أَنْ يُنْبَذَ فِي الْمَاءِ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ؛ أَيْ: يُطْرَحُ فِيهِ، وَالنَّبذُ الطَّرْحُ؛ لِيَحْلُوَ الْمَاءُ لَا سِيَّمَا كَثِيرٌ مِن مِيَاهِ الْحِجَازِ، فَإِنَّ فِيهِ مُلُوحَةً، فَهَذَا النَّبِيذُ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْكِرُ.
فَسَمِعَ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَشْرَبُونَ النَّبِيذَ فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ الْمُسْكِرُ فَتَرَخَّصُوا فِي شُرْبِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ، وَتَرَخَصُوا فِي الْمَطْبُوخِ مِن نَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا لَمْ يُسْكِر الشَّارِبَ.
وَالصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ كُلَّ مُسْكِر خَمْرٌ، يُجْلَدُ شَارِبُهُ وَلَو شَرِبَ مِنْهُ قَطْرَةً وَاحِدَةً لِتَدَاوٍ أَو غَيْرِ تَدَاوٍ.
وَالْحَدُّ وَاجِبٌ إذَا قَامَتِ الْبَيِّنةُ أَو اعْتَرَفَ الشَّارِبُ.
فَإِنْ وُجِدَتْ مِنْة رَائِحَة الْخَمْرِ أَو رُئيَ وَهُوَ يتقيؤها وَنَحْو ذَلِكَ: فَقَد قِيلَ: لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
وَقِيلَ: بَل يُجْلَدُ إذَا عُرفَ أنَّ ذَلِكَ مُسْكِرٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ كَعُثْمَان وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ الَّذِي يَصْلُحُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي غَالِبِ نُصُوصِهِ وَغَيْرِهِمَا.
وَالْحَشِيشَةُ الْمَصْنُوعَةُ مِن وَرَقِ الْعِنَبِ حَرَامٌ أَيْضًا (١)، يُجْلَدُ صَاحِبُهَا كَمَا يُجْلَدُ شَارِبُ الْخَمْرِ، وَهِى أَخْبَثُ مِن الْخَمْرِ مِن جِهَةِ أَنَّهَا تُفْسِدُ الْعَقْلَ وَالْمِزَاجَ حَتَّى يَصِيرَ فِي الوَّجُلِ تَخَنُّثٌ وَدِيَاثَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ.
وَالْخَمْرُ أَخْبَثُ مِن جِهَةِ أَنَّهَا تُفْضِى إلَى الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَكِلَاهُمَا يَصُدُّ عَن ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَعَنِ الصَّلَاةِ. ٢٨/ ٣٣٧ - ٣٣٩
٤٨٦٥ - أَمَّا الْمَعَاصِي الَّتِي لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ وَلَا كَفَّارَةٌ؛ كَاَلَّذِي يُقَبِّلُ
(١) قال الشيخ: قِيلَ: هِيَ نَجِسَةٌ كَالْخَمْرِ الْمَشْرُوبَةِ وَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الصَّحِيحُ. (٢٨/ ٣٤٠)