وَمَن ظَنَّ أَنَّ الْحَشِيشَةَ لَا تُسْكِرُ وَإِنَّمَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِلَا لَذَّةٍ فَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ أَمْرِهَا؛ فَإِنَّهُ لَوْلَا مَا فِيهَا مِن اللَّذَّةِ لَمْ يَتَنَاوَلُوهَا وَلَا أَكَلُوهَا، بِخِلَافِ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا لَذَّةَ فِيهِ.
وَالشَّارعُ فَرَّقَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ بَيْنَ مَا تَشْتَهِيهِ النُّفوسُ وَمَا لَا تَشْتَهِيهِ، فَمَا لَا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ اُكْتُفِيَ فِيهِ بِالزَّاجِرِ الشَّرْعِيِّ، فَجَعَلَ الْعُقُوبَةَ فِيهِ التَّعْزِيزُ.
وَأَمَّا مَا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ فَجَعَلَ فِيهِ مَعَ الزَّاجِرِ الشَّرْعِيِّ زَاجِرًا طَبِيعِيًّا وَهُوَ الْحَدُّ، وَالْحَشِيشَةُ مِن هَذَا الْبَابِ. ٣٤/ ١٩٧ - ١٩٨
٤٨٨٤ - أَمَّا الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ الْمُسْكِرَةُ: فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهَا مِن الْمُسْكِرَاتِ، وَالْمُسْكِرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ بَل كُلّ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَو لَمْ يَكُن مُسْكِرًا كَالْبَنْجِ؛ فَإِنَّ الْمُسْكرَ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَغَيْرَ الْمُسْكِرِ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ.
وَأَمَّا قَلِيلُ الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ فَحَرَامٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ كَسَائِرِ الْقَلِيلِ مِن الْمُسْكِرَاتِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْكِرُ مَأكُولًا أَو مَشْرُوبًا، أَو جَامِدًا أَو مَائِعًا، فَلَو اصْطَبَغَ كَالْخَمْرِ كَانَ حَرَامًا.
وَنَبِيُّنا -صلى الله عليه وسلم- بُعِثَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَإِذَا قَالَ كَلِمَةً جَامِعَةً: كَانَت عَامَّة فِي كُل مَا يَدْخُلُ فِي لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا، سَوَاءٌ كَانَت الْأَعْيَانُ مَوْجُودَةً فِى زَمَانِهِ أَو مَكَانِهِ أَو لَمْ تكُنْ (١).
فَلمَّا قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ": تَنَاوَلَ ذَلِكَ مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِن خَمْرِ التَّمْرِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ مِن خَمْرِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(١) هذه قاعدةٌ عامة مهمة، يجب العمل بها في جميع نصوص الكتاب والسُّنَة.