يَنَالُونَ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ مِن حَقَائِقِ الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ أَضْعَافَ مَا يَنَالُهُ غَيْرُهُم فِي قُرُونٍ وَأَجْيَالٍ.
وَكَذَلِكَ أَهْل السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ تَجِدُهُم كَذَلِكَ مُتَمَتِّعِينَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْحَقِّ الثَّابِتِ يُقَوِّي الْإِدْرَاكَ وَيُصَحِّحُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} محمد: ١٧.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: "آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ (١) يَوْمُ الْجَنَائِزِ"؛ فَإِنَّ الْحَيَاةَ بِسَبَبِ اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الْمَعَاشِ يُعَظِّمُ الرَّجُلُ طَائِفَتَهُ، فَأَمَّا وَقْتَ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِن الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ مِن عُمُومِ الْخَلْقِ.
وَلهَذَا لَمْ يُعْرَفْ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ جِنَازَيهِ، مَسَحَ الْمُتَوَكِّلُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَوَجَدَ أَلْفَ أَلْفٍ وَسِتَّمِائَةِ أَلْفٍ، سِوَى مَن صَلَّى فِي الْخَانَاتِ وَالْبُيُوتِ، وَأَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ مِن الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عِشْرُونَ أَلْفًا.
وَهُوَ إنَّمَا نَبُلَ عِنْدَ الْأُمَّةِ بِاتِّباَعِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا إنَّمَا نَبُلُوا فِي الْإِسْلَامِ بِاتّبَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَذَلِكَ مُتَكلِّمَةُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مِثْل الْكُلَّابِيَة والكَرَّامِيَة وَالْأشْعَرِيَّةِ إنَّمَا قُبِلُوا وَاتُّبِعُوا واستحمدوا إلَى عُمُومِ الْأُمَّةِ بِمَا أَثْبَتُوهُ مِن أُصُولِ الْإِيمَانِ .. وَالرَّدِّ عَلَى الْكُفَّارِ مِن الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيَانِ تَنَاقُضِ حُجَجِهِمْ، وَكَذَلِكَ استحمدوا بِمَا رَدُّوهُ عَلَى الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ مِن أَنْوَاعِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي يُخَالِفونَ فِيهَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
فَحَسَنَاتُهُم نَوْعَانِ:
أ- إمَّا مُوَافَقَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ.
ب- وَإِمَّا الرَّدُّ عَلَى مَن خَالَفَ السُّنَّةَ وَالْحَدِيثَ بِبَيَانِ تَنَاقُضِ حُجَجِهِمْ.
(١) أي: المبتدعة.