فَلَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ مَا أَحْدَثَ مِن الْعَسْفِ كَانَ مِن جُمْلَتِهِ أَن حَلَّفَ النَّاسِ عَلَى بَيْعِهِمْ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَالْيَمِينِ بِاللهِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ.
الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ يُحْلَفُ بِهَا:
- تَارَةً بِصِيغَةِ الْقَسَمِ.
- وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ.
لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ تَخْرُجَ الْيَمِينُ عَن هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ.
فَالْأوَّلُ: كَقَوْلِهِ: وَاللهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَو الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَنْ أَفْعَلَ كَذَا، أَو عَلَيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَل كَذَا، أَو عَلَيَّ الْحَجُّ لَا أَفْعَلُ.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَو نَصْرَانِيٌّ، أَو بَرِيءٌ مِن الْإِسْلَامِ، أَو إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، أَو إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي حَرَامٌ، أَو فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَو إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ، أَو فَمَالِي صَدَقَةٌ (١).
ثُمَّ هَذَا التَّقْسِيمُ لَيْسَ مِن خَصَائِصِ الْأَيْمَانِ الَّتِىِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللهِ؛ بَل غَيْرُ ذَلِكَ مِن الْعُقُودِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ:
(١) قال الشيخ في موضع آخر: وَأَمَّا صِيغَةُ الْقَسَمِ: فَهُوَ أنْ يَقُولَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأفْعَلَنَّ كَذَا، أَو لَا أَفْعَلُ كَذَا، فَيَحْلِفُ بِهِ عَلَى حَضٍّ لِنَفْسِهِ أَو لِغَيْرِهِ، أو مَنْعِ لِنَفْسِهِ أَو لِغَيْرِهِ، أو عَلَى تَصْدِيقِ خَبَرٍ أو تَكْذِيبِهِ، فَهَذَا يَدْخُلُ فِىِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْأيْمَانِ؛ فَإِنَّ هَذَا يَمِينٌ باتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ فَإِنَّهَا صِيغَةُ قَسَمٍ، وَهُوَ يَمِين أيْضًا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّهَا تُسَمَّى يَمِينًا. وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي حُكْمِهَا ..
وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِيمَا إذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَقَالَ: إذَا فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أو صَوْمُ شَهْرٍ أَو مَالِي صَدَقَةٌ، لَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ اُشْتُهِرَ الْكَلَامُ فِيهِ عَن السَّلَفِ مِن الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالُوا: إنَّهُ أَيْمَانٌ تَجْزِي فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ هَذَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، فَإِن الْكلَامَ فِيهِ إنَّمَا عُرِفَ عَن التَّابِعِينَ وَمَن بَعْدَهُمْ، وَتَنَازَعُوا فِيهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. اهـ. يُنظر باب: (أنواع الأيمان وصيغُه) من هذا الكتاب.