فَإِذَا كَانَ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمًا فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِتَرْكِ الْمَعْرُوفِ الرَّاجِحِ: كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَلْزِمًا لِفِعْلِ الْمُنْكَرِ الرَّاجِحِ؛ كَمَن أَسْلَمَ عَلَى أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا صَلَاتَيْنِ، كَمَا هُوَ مَأثُورٌ عَن بَعْضِ مَن أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَو أَسْلَمَ بَعْضُ الْمُلُوكِ الْمُسَلَّطِينَ وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، أَو يَفْعَلُ بَعْضَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَو نُهي عَن ذَلِكَ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَامِ (١).
فَفَرْقٌ بَيْنَ:
أ - تَرْكِ الْعَالِمِ أَو الْأَمِيرِ لِنَهْيِ بَعْضِ النَّاسِ عَن الشَّئِ إذَا كَانَ فِي النَّهْيِ مَفْسَدَة رَاجِحَةٌ.
ب - وَبَيْنَ إذْنِهِ فِي فِعْلِهِ (٢).
وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، فَفِي حَالٍ أُخْرَى يَجِبُ إظْهَارُ النَّهْيِ: إمَّا لِبَيَانِ التَّحْرِيم، وَاعْتِقَادِهِ، وَالْخَوْفِ مِن فِعْلِهِ، أَو لِرَجَاءِ التَّرْكِ، أَو لِإِقَامَةِ الْحجَّةِ بِحَسَبِ الأَحْوَالِ؛ وَلهَذَا تَنَوَّعَ حَالُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَجِهَادِهِ وَعَفْوِهِ وَإِقَامَتِهِ الْحُدُودَ وَغِلْظَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. ٣٥/ ١٨ - ٣٢
* * *
(لَا يُزَال الْمُنْكَرُ بِمَا هُوَ أنْكَرُ مِنْهُ)
٥١٩٦ - لَا يُزَالُ الْمُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِم أي: الأمراء بِالسِّلَاحِ، وَتُقَامُ الْفِتَنُ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِن أصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبوِيَّةُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الْفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو
(١) وهذا من باب التدرج في تطبيق الشريعة، للمصلحهَ الراجحة، قال الشيخ العلَّامة ابن عثيمين: جاءت الشريعة الإسلامية بالتدرج في التشريع شيئًا فشيئًا، وهكذا المنكر لا بد أن نأخذ الناس فيه بالمعالجة حتى يتم الأمر. اهـ. مجموع فتاوى ابن عثيمين (٥/ ٢١٠).
(٢) فالسكوت عن قول الحق شيء، وقول الباطل والتدليس وتحريف النصوص شيء آخر، فالثاني لا يُباح بحال، بخلاف الأول، فيجوز للمصلحة الراجحة.