وَكُلُّ مَن رَأَى رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- مُؤْمِنًا بَهْ: فَلَهُ مِن الصُّحْبَةِ بِقَدْرِ ذَلِك، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَغْزُو جَيْشٌ، فَيَقُولُ: هَل فِيكُمْ مَن صَحِبَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ ثمْ، ثُمَّ يَغْزُو جَيْشٌ فَيَقُولُ: هَل فِيكُمْ مَن رَأَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَيَقُولُونَ، نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ" (١) وَذَكَرَ الطَّبَقَةَ الثَّالِثَةَ.
فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِرُؤْيَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا عَلَّقَهُ بِصُحْبَتِهِ (٢).
وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ "الصُّحْبَهِ" فِيهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ: كَانَ مَن اخْتَصَّ مِن الصَّحَابَةِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بَهْ عَن غَيْرِهِ يُوصَفُ بِتِلْكَ الصُّحْبَةِ، دُونَ مَن لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا.
قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَمَّا اخْتَصَمَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: "يَا خَالِدُ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَاَلَّدِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَو أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْل أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ" (٣).
فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ هُوَ وَأَمْثَالُهُ مِن السَّابِقِينَ الْأَوَّلينَ مِن الَّذِينَ أَنْفَقُوا قَبْلَ الْفَتْحِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُ مِمَن أَسْلَمَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنْفَقُوا وَقَاتَلُوا دُونَ أولَئِكَ، قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} الحديد: ١٠، وَالْمُرَادُ بِالْفَتْح: فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا بَايَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ أَكْثَرَ مِن أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَهُم الَّذِينَ فَتَحُوا خَيْبَرَ.
(١) رواه البخاري (٣٥٩٤)، ومسلم (٢٥٣٢).
(٢) بنى الشيخ كلامه على الحديث الذي ذكره، ولم أجده بهذا اللفظ، بل الذي في صحيح مسلم (٢٥٣٢)، عَن أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَن رَأَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَن رَأَى مَن صَحِبَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَل فِيكمْ مَن رَأَى مَن صَحِبَ مَن صَحِبَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ".
(٣) رواه البخاري (٣٦٧٣)، ومسلم (٢٥٤٠).