الشُّهَدَاءِ، فَإِنَّهُ وَأَخُوهُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَكَانَا قَد تَرَبَّيَا فِي عِزِّ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَنَالَا مِن الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي اللهِ مَا نَالَهُ أَهْل بَيْتِهِ، فَأَكْرَمَهُمَا اللهُ تَعَالَى بِالشَّهَادَةِ تَكْمِيلًا لِكَرَامَتِهِمَا، وَرَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمَا، وَقَتْلُهُ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ قَد شَرَعَ الِاسْتِرْجَاعَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦)} البقرة: ١٥٥، ١٥٦.
وَمِن أَحْسَنِ مَا يُذْكَرُ هُنَا: أَنَّهُ قَد رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد (١) وَابْنُ مَاجَه (٢) عَن فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَن أَبِيهَا الْحُسَيْنِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَذَكَرَ مُصِيبَتَهُ، فَأَحْدَثَ اسْتِرْجَاعًا، وَإِن تَقَادَمَ عَهْدُهَا، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَهُ يَوْمَ أُصِيبَ".
هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ عَن الْحُسَيْنِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ الَّتِي شَهِدَتْ مَصْرَعَهُ.
وَقَد علِمَ أَنَّ الْمُصِيبَةَ بِالْحُسَيْنِ تُذْكَرُ مَعَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ، فَكَانَ فِي مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ أَنْ بَلَّغَ هُوَ هَذِهِ السُّنَّةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ أَنَّهُ كُلَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ يُسْتَرْجَعُ لَهَا، فَيَكُونُ لِلْإِنْسَانِ مِن الْأَجْرِ مِثْلُ الْأَجْرِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ.
وَأَمَّا مَن فَعَلَ مَعَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ بِهَا مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالْمُصِيبَةِ: فَعُقُوبَتُهُ أَشَدُّ؛ مِثْل لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالدُّعَاءِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ ظُلْمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَعْنُهُمْ، وَسَبُّهُمْ، وَإِعَانَةُ أَهْلِ الشِّقَاقِ وَالْإِلْحَادِ عَلَى مَا يَقْصِدُونَهُ لِلدِّينِ مِن الْفَسَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصِيه إلَّا اللهُ تَعَالَى.
(١) (١٧٣٤).
(٢) (١٦٠٠)، واللفظ له.
قال في مجمع الزوائد (٣٩٤٦): فِيهِ هِشَامُ بْنُ زَيادٍ أَبُو الْمِقْدَامِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وضعَّفه محققو المسند، والألباني في ضعيف الجامع الصغير (٥٤٣٤).