(الْمُرْتَدّ إذَا أَسْلَمَ عَصَمَ بِإِسْلَامِهِ دَمَهُ وَمَالَهُ)
٥٢٦٨ - الْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ عَصَمَ بِإِسْلَامِهِ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَإِن لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ حَاكِمٌ.
وَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّ بَيْتِ الْمَالِ فِي مَالِ مَن أَسْلَمَ بَعْدَ رِدَّتِهِ؛ بَل مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد أَيْضًا فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّ مَن شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالرِّدَّةِ فَأنْكَرَ وَتَشَهَّدَ الشَّهَادَتَيْنِ المعتبرتين حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ عَدْلٌ؟ (١)
فَإِنَّهُ مِن هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَفْتَقِرُ الْحُكْمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ وَمَالِهِ إلَى إقْرَارِهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلَو قُدِّرَ أَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ كُفْرُ سَبٍّ فَلَيْسَ فِي الْحُكامِ بِمَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَن يَحْكُمُ بِأَنَّ مَالَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ إسْلَامِهِ، إنَّمَا يَحْكُمُ مَن يَحْكُمُ بِقَتْلِهِ لِكَوْنِهِ يُقْتَل حَدًّا عِنْدَهُم عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَمَن قَالَ: يُقْتَلُ لِزَنْدَقَتِهِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِمِثْل هَذَا الْإِقْرَارِ.
وَأَيْضًا: فَمَالُ الزِّنْدِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ مَن قَالَ بِذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ مِن الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كَانُوا إذَا مَاتُوا وَرِثَهُم الْمُسْلِمُونَ مَعَ الْجَزْمِ بِنِفَاقِهِمْ؛ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَمْثَالِهِ مِمَّن وَرِثَهُم وَرَثَتُهُم الَّذِينَ يَعْلَمُونَ بِنِفَاقِهِمْ، وَلَمْ يَتَوَارَثْ أَحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ غَيْرَ مِيرَاثِ مُنَافِقٍ.
وَالْمُنَافِقُ هُوَ الزِّنْدِيقُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ.
وَأَيْضًا: فَحُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا نُفِّذَ فِي دَمِهِ الَّذِي قَد يَكُونُ فِيهِ نِزَاعٌ نُفِّذَ فِي مَالِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ إذ لَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مَن يَقُولُ: يُؤْخَذُ مَالُهُ وَلَا يُبَاحُ دَمُهُ، فَلَو قِيلَ بِهَذَا كَانَ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ. ٣٥/ ٢٠٥ - ٢٠٦
(١) بل شهد عَلَيْهِ فاسق أوخصم له؟