التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مَا لَا يَكَادُ يَقَعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ مِن الْفُقَهَاءِ. ٤/ ١٨ - ٢٠
مقارنة بين ابن حزم والجويني
٥٢٧٧ - لِطَرِيقَةِ أَبِي الْمَعَالِي كَانَ أَبو مُحَمَّدٍ يَتْبَعُهُ فِي فِقْهِهِ وَكَلَامِهِ، لَكِنْ أَبُو مُحَمَّدٍ كَانَ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَأَتْبَعَ لَهُ مِن أَبِي الْمَعَالِي وَبِمَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ.
وَأَبُو الْمَعَالِي أَكْثَرُ اتِّبَاعًا لِلْكَلَامِ، وَهُمَا فِي الْعَرَبِيَّةِ مُتَقَارِبَانِ. ٤/ ٨٨
(مقارنة بين ابْنِ عَبَّاسٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-)
٥٢٧٨ - هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، حَبْرُ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ، مِقْدَارُ مَا سَمِعَهُ مِن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَا يَبْلُغُ نَحْو الْعِشْرِينَ حَدِيثًا الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: "سَمِعْت وَرَأَيْت".
وَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِن الصَّحَابَةِ، وَبُورِكَ لَهُ فِي فَهْمِهِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُ، حَتَّى مَلَأَ الدُّنْيَا عِلْمًا وَفِقْهًا.
قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ: "وَجُمِعَتْ فَتْوَاهُ فِي سَبْعَةِ أَسْفَارٍ كِبَارٍ".
وَهِيَ بِحَسَبِ مَا بَلَغَ جَامِعُهَا، وَإِلَّا فَعِلْمُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْبَحْرِ، وَفِقْهُهُ وَاسْتِنْبَاطُهُ وَفَهْمُهُ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي فَاقَ بِهِ النَّاسَ، وَقَد سَمِعُوا مَا سَمِعَ، وَحَفِظُوا الْقُرْآنَ كَمَا حَفِظَهُ، وَلَكِنَّ أَرْضَهُ كَانَت مَن أَطْيَبِ الْأَرَاضي، وَأَقْبَلِهَا لِلزَّرْعِ، فَبَذَرَ فِيهَا النُّصُوصَ، فَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)} الحديد: ٢١.
وَأَيْنَ تَقَعُ فَتَاوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَفْسِيرُهُ وَاسْتِنْبَاطُهُ مِن فَتَاوَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَفْسِيرِهِ؟ وَأَئو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مِنْهُ؛ بَل هُوَ حَافِظُ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، يُؤَدِّي الْحَدِيثَ كَمَا سَمِعَهُ، وَيَدْرُسُهُ بِاللَّيْلِ دَرْسًا، فَكَانَت هِمَّتُهُ مَصْرُوفَةً إلَى الْحِفْظِ وَتَبْلِيغِ مَا حَفِظَهُ كَمَا سَمِعَهُ.
وَهِمَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَصْرُوفَةٌ إلَى التَّفَقُّهِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَتَفْجِيرِ النُّصُوصِ، وَشَقِّ الْأَنْهَارِ مِنْهَا، وَاسْتِخْرَاجِ كُنُوزِهَا.