وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ وَهُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَد؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَيْنَ السَّلَمِ مَبِيعٌ.
وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذمَّةِ مَقْبُوضٌ لِلْمَدِينِ.
لَكِنْ إنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً شْتَرَطَ فِيهِ الْحُلُولَ وَالْقَبْضَ لِئَلَّا يَكُونَ رِبًا.
وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهُ بِمَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ.
وَإِن بَاعَهُ بِغَيْرِهِمَا: فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِمَا.
وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِأَنَّ تَأَخِيرَ الْقَبْضِ نَسِيئَةٌ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. ويُنظر كذلك: ٢٩/ ٥١٨ - ٥١٩
وقد أفتى الشيخ -رحمة الله- في مواضع من "مجموع الفتاوى" بالتحريم، (٢٩/ ٥٠٠ - ٥٠١) (٢٩/ ٥٢٦)، ومن ذلك قوله: لَا يَجُوزُ بَيْعُ دَيْنِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ: فَهَذَا حَرَامٌ مِن وَجْهَيْنِ.
والشيخ صحح في جميع فتاويه عدا هذين الموضعين جواز الاعتياض عن دين السلم كالحنطة بغيره كالشعير.
وقد كان -رحمة الله- يُفتي قبل ذلك بالمنع، وينسب ذلك إلى الأئمة الأربعة، ومن ذلك قوله (٢٩/ ٥٠٠): لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذَا الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ دَيْنُ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا مِن الْمُسْتَلِفِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فِي مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ بَل هَذَا يَدْخُلُ فِيمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ.