فَإِنَّ هَذَا تَنَوُّعٌ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي يُبَيِّنُ بِهَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، بِمَنْزِلَةِ أَسْمَاءِ اللهِ وَأَسْمَاءِ رَسُولِهِ وَكِتَابِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَضَادٌّ لَا فِي اللَّفْظِ وَلَا فِي الْمَعْنَى.
وَمِثَالُ التَّنَوُّعِ الَّذِي فِيهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ لِأَجْلِ اشْتِرَاكِ اللَّفْظِ -كَمَا قِيلَ: أَكْثَرُ اخْتِلَافِ الْعُقَلَاءِ مِن جِهَةِ اشْتِرَاكِ الْأَسْمَاءِ-: تَنَازَعَ قَوْمٌ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّه فِي الدُّنْيَا أَو فِي الْآخِرَةِ؟ ١٩/ ١٣٩ - ١٤٠
فَقَالَ قَوْمٌ: رَآهُ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ رَآهُ قَبْلَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَل فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ وَهُوَ فَوْقُ السَّمَوَاتِ وَلَمْ يَرَهُ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لَفْظَ "الْآخِرَةِ" يُرَادُ بِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةَ الْآخِرَةَ، ويُرَادُ بِهِ الدَّارَ الدُّنْيَا وَالدَّارَ الْآخِرَةِ، وَمُحَمَّد رَأَى رَبَّهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
* * *
جِنْس فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِن جِنْسِ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ:
٥٤٠٤ - قَاعِدَةٌ فِي أَنَّ جِنْسَ فِعْلِ الْمَأمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِن جِنْسِ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَأنَّ جِنْسَ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَعْظَمُ مِن جِنْسِ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَأَنَّ مَثُوبَةَ بَنِي آدَمَ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمُ مِن مَثُوبَتِهِمْ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَنَّ عُقُوبَتَهُم عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَعْظَمُ مِن عُقُوبَتِهِمْ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِن وُجُوهٍ (١):
أَحَدُهَا: أَنَّ أَعْظَمَ الْحَسَنَاتِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَعْظَمَ السَّيّئَاتِ الْكُفْرُ، وَالْإِيمَانُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، فَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ظَاهِرًا حَتَّى يُظْهِرَ أَصْلَ
(١) ذكر اثنين وعشرين وجهًا تُؤيد ما قرره!!