وَمَن أَمْسَكَ عَنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ مِن أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فَقَد تَرَكَ فَرضًا عَلَى الْأَعْيَانِ أَو عَلَى الْكِفَايَةِ؛ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ مُتَوَرِّعٌ.
وَمَا أَكْثَرَ مَا يَشْتَبِهُ الْجُبْنُ وَالْفَشَلُ بِالْوَرَعِ؛ إذ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفُّ وإمْسَاكٌ.
وَالثَّانِي: تَعَاوُن عَلَى الْإِثْمِ وَالْعدْوَانِ .. فَهَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ.
نَعَمْ، إذَا كَانَت الْأَمْوَالُ قَد أُخِذَتْ بِغَيْرِ حَقّ، وَقَد تَعَذَّرَ رَدُّهَا إلَى أَصْحَابِهَا؛ كَكَثِير مِن الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ: فَالْإِعَانَةُ عَلَى صَرْفِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَسَدَادِ الثُّغُورِ وَنَفَقَةِ الْمُقَاتِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: مِن الْإِعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ إذ الْوَاجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ -إذَا لَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا وَرَدُّهَا عَلَيْهِم وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِمْ- أَنْ يَصْرِفَهَا -مَعَ التَّوْبَةِ إنْ كَانَ هُوَ الظَّالِمُ- إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَن غَيْرِ وَاحِدٍ مِن الصَّحَابَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّت الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ.
وَإِن كَانَ غَيْرُهُ قَد أَخَذَهَا: فَعَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا ذَلِكَ.
كَذَلِكَ لَو امْتَنَعَ السُّلْطَانُ مِن رَدِّهَا: كَانَت الْإِعَانَةُ عَلَى إنْفَاقِهَا فِي مَصَالِحِ أَصْحَابِهَا أَوْلَى مِن تَرْكِهَا بِيَدِ مَن يُضَيِّعُهَا عَلَى أَصْحَابِهَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
وَعَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلُهَا، وَتَعْطِيلُ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلُهَا، فَإِذَا تَعَارَضَتْ: كَانَ تَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا وَدَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَدْنَاهَا: هُوَ الْمَشْرُوعُ.
وَالْمُعِينُ عَلَى الْإِثْم وَالْعُدْوَانِ: مَن أَعَانَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ، أَمَّا مَن أَعَانَ الْمَظْلُومَ عَلَى تَخْفِيفِ الظَّلْمِ عَنْهُ أَو عَلَى أَدَاءِ الْمَظْلِمَةِ: فَهُوَ وَكِيلُ الْمَظْلُومِ، لَا وَكِيلُ الظَّالِمِ. ٢٨/ ٢٨٣ - ٢٨٥
* * *