أَلْفَاظُهُ؛ بَل قَد صَدَّقَهُ غَيْرُهُ مِن الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. ٤/ ٢٣٨ - ٢٤١
* * *
(مَا مِن مَوْلودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، وما مصير من مات صغيرًا؟)
٣٨٩ - قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يهَوِّدَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ، أَو يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَل تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدْعَاءَ" (١): الصَّوَابُ أَنَّهَا فِطْرَةُ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَاسَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِطرَةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَهُم عَلَيْهَا يَوْمَ قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الأعراف: ١٧٢.
وَهِيَ السَّلَامَةُ مِن الِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَالْقَبُولُ لِلْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ.
فَإِنَّ حَقِيقَةَ "الْإِسْلَامِ" أَنْ يَسْتَسْلِمَ للهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَقَد ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَثَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: "كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَل تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدْعَاءَ؟ " (٢).
بَيَّنَ أَنَّ سَلَامَةَ الْقَلْبِ مِن النَّقْصِ كَسَلَامَةِ الْبَدَنِ، وَأنَّ الْعَيْبَ حَادِثٌ طَارِئٌ.
وَلهَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رضي الله عنه- فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: إلَى أَنَّ الطِّفْلَ مَتَى مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ حُكِمَ بِإسْلَامِهِ؛ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلتَّغْيِيرِ عَن أَصْلِ الْفِطْرَةِ.
وَقَد رُوِيَ عَنْهُ وَعَن ابْنِ الْمُبَارَكِ: أَنَّهُم قَالُوا: "يُولَدُ عَلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ مِن شَقَاوَةٍ وَسَعَادَةٍ".
(١) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨).
(٢) شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- سلامة فطرة الإنسان بسلامة أعضاء الدابة الحديثةِ الولادة؛ فالدابة تلد بهيمة جمعاء تامة الأعضاء مستوية الخلق؛ فهل تبصرون شاةً جدعاء؟ مقطوعة الأذن أو الأنف أو غير ذلك؟ أي: إن الناس يفعلون بها ذلك، فكذلك يفعلون بالمولود الذي يولد على الفطرة السليمة.