فَقَدَ سَمَّى النَّوْمَ مَوْتًا وَالِاسْتِيقَاظَ حَيَاةً.
وَقَد قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} الزمر: ٤٢، فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أ- فَيَتَوَفَّاهَا حِينَ الْمَوْتِ.
ب- وَيتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ بِالنَّوْمِ.
ثُمَّ إذَا نَامُوا:
- فَمَن مَاتَ فِي مَنَامِهِ أَمْسَكَ نَفْسَهُ.
- وَمَن لَمْ يَمُتْ أَرْسَلَ نَفْسَهُ.
وَالنَّائِمُ يَحْصُلُ لَه فِي مَنَامِهِ لَذَّةٌ وَأَلَمٌ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ، حَتَّى إنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فِي مَنَامِهِ مَن يَضْرِبُهُ، فَيُصْبحُ وَالْوَجَعُ فِي بَدَنِهِ، وَيرَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ أُطْعِمَ شَيْئًا طَيِّبًا، فَيُصْبحُ وَطَعْمُهُ فِي فَمِهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ.
فَإِذَا كَانَ النَّائِمُ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ وَبَدَنِهِ مِن النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ مَا يُحِسُّ بِهِ- وَاَلَّذِي إلَى جَنْبِهِ لَا يُحِسُّ بِهِ- حَتَّى قَد يَصِيحُ النَّائِمُ مِن شِدَّةِ الْأَلَمِ، أَو الْفَزَعِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ، وَيسْمَعُ الْيَقْظَانُ صِيَاحَهُ، وَقَد يَتَكَلَّمُ إمَّا بِقُرْآنِ، وَإِمَّا بِذِكْر وَإِمَّا بِجَوَاب، وَالْيَقْظَانُ يَسْمَعُ ذَلِكَ وَهُوَ نَائِمٌ، عَيْنُهُ مُغْمَضَةٌ، وَلَو خُوطِبَ لَمْ يَسْمَعْ: فَكَيْفَ يُنْكَرُ حَالُ الْمَقْبُورِ الَّذِي أَخْبَرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ؟.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ الَّذِي يَجِدُهُ الْمَيّتُ مِن النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ مِثْلَمَا يَجِدُهُ النَّائِمُ فِي مَنَامِهِ؛ بَل ذَلِكَ النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ أَكْمَلُ وَأَبْلَغُ وَأَتَمُّ.
وَهُوَ نَعِيمٌ حَقِيقِيٌّ وَعَذَابٌ حَقِيقِيٌّ، وَلَكنْ يُذْكَرُ هَذَا الْمَثَلُ لِبَيَانِ إمْكَانِ ذَلِكَ. ٤/ ٢٧٤ - ٢٧٦
* * *