وَهَل يَكونُ الْعَذَابُ وَالنَعِيمُ لِلْبَدَنِ بِدُونِ الرُّوحِ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِأهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَالْكَلَامِ، وَفِي الْمَسْألَةِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ لَيْسَتْ مِن أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ:
قَوْلُ مَن يَقُولُ: إنَّ النَّعِيمَ وَالْعَذَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الرُّوحِ، وَأَنَّ الْبَدَنَ لَا يُنَعَّمُ وَلَا يُعَذَّبُ.
وَقَوْلُ مَن يَقُولُ: إنَّ الرُّوحَ بِمُفْرَدِهَا لَا تُنَعَّمُ وَلَا تُعَذَّبُ، وَإِنَّمَا الرُّوحُ هِيَ الْحَيَاةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الشَّاذُّ: قَوْلُ مَن يَقُولُ إنَ الْبَرْزَخ لَيْسَ فِيهِ نَعِيمٌ وَلَا عَذَابٌ؛ بَل لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ الْقِيَامَةُ الْكُبْرَى، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَن يَقُولُهُ مِن الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِم، الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ، وَأَنَّ الْبَدَنَ لَا يُنَعَّمُ وَلَا يُعَذَّبُ.
فَجَمِيعُ هَؤُلَاءِ الطَّائِفَتَيْنِ ضُلَّالٌ فِي أَمْرِ الْبَرْزَخِ.
فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْبَاطِلَةَ: فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأئِمَّتِهَا:
- أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ يَكُونُ فِي نَعِيمٍ أَو عَذَابٍ.
- وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ وَلبَدَنِهِ.
- وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةَ أَو مُعَذَّبَةً.
- وَأَنَّهَا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا، فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ.
ثُمَّ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى أُعِيدَت الْأرْوَاحُ إلَى اجْسَادِهَا، وَقَامُوا مِن قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَمَعَادُ الْأبْدَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ.