التَّابِعِينَ بِالْإِيمَانِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ وَبِصِفَاتِهِ السَّمْعِيَّةِ.
وَإِنَّمَا قَالَ الأوزاعي هَذَا بَعْدَ ظُهُورِ مَذْهَبِ جَهْمٍ الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ اللهِ فَوْقَ عَرْشِهِ وَالنَّافِي لِصفَاتِهِ؛ لِيَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ خِلَافُ ذَلِكَ.
وَرَوَى أَيْضًا عَن الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَالْأوْزَاعِي عَن الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَت فِي الصِّفَاتِ، فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَت بِلَا كَيْفٍ.
فَقَوْلُهُم -رضي الله عنهم-: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ": رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ، وَقَوْلُهُم: "بِلَا كَيْفٍ"رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ.
وَالزُّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ: هُمَا أَعْلَمُ التَّابِعِينَ فِي زَمَانِهِمْ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقُونَ أَئِمَّةُ الدُّنْيَا فِي عَصْرِ تَابِعِي التَّابِعِينَ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَاد -كُلُّهُم أَئِمَّةٌ ثِقَاتٌ - عَن سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَة قَالَ: سُئِلَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} كَيْفَ اسْتَوَى؟
قَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَمِن اللهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ.
وَهَذَا الْكَلَامُ مَرْوِيٌّ عَن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ تِلْمِيذِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِن غَيْرِ وَجْهٍ.
فَقَوْلُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ: "الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ": مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْبَاقِينَ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَت بِلَا كَيْفٍ؛ فَإِنَّمَا نَفَوْا عِلْمَ الْكَيْفِيَّةِ وَلَمْ يَنْفوا حَقِيقَةَ الصِّفَةِ.
وَلَو كَانَ الْقَوْمُ قَد آمَنُوا بِاللَّفْظِ الْمُجَرَّدِ مِن غَيْرِ فَهْمٍ لِمَعْنَاهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللهِ: لَمَا قَالُوا: "الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ" وَلَمَا قَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَت بِلَا كَيْفٍ.