فَإِنَّهُ لَو أُرِيدَ مُجَرَّدُ تَقْرِيبِ الْحُجَّاجِ وَقُوَّامِ اللَّيْلِ إلَيْهِ: لَمْ يَخُصَّ نزُولَهُ بِسَمَاءِ الدُّنْيَا، كَمَا لَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ فِي إجَابَةِ الدَّاعِي، وَقُرْبِ الْعَابِدِينَ لَهُ قَالَ تَعَالَى: "مَن تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِرَاعًا"، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، بِزِيَادَةِ تَقْرِيبِهِ لِلْعَبْدِ إلَيْهِ جَزَاءً عَلَى تَقَرُّبِهِ بِاخْتِيَارِهِ.
فَكُلَّمَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ قَدْرَ شِبْرٍ: زَادَهُ الرَّبُّ قُرْبًا إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالْمُتَقَرِّبِ بِذِرَاعِ.
فَكَذَلِكَ قُرْبُ الرَّبِّ مِن قَلْبِ الْعَابِدِ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ مِن مَعْرِفَةِ الرُّبِّ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَهُوَ الْمَثَلُ الْأعْلَى؛ وَهَذَا أَيْضًا لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مُحِبًّا لِمَا أَحَبَّ الرَّبُّ، مُبْغِضًا لِمَا أَبْغَضَ، مُوَالِيًا لِمَن يُوَالِي، مُعَادِيًا لِمَن يُعَادِي، فَيَتَّحِدُ مُرَادُهُ مَعَ الْمُرَادِ الْمَأمُورِ بِهِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ.
وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مُوَالَاةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَمُوَالَاةِ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ؛ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، والْوِلَايَةُ تَتَضَمَّنُ الْمَحَبَّةَ وَالْمُوَافَقَةَ، والْعَدَاوَةُ تَتَضَمَّنُ الْبُغْضَ وَالْمُخَالَفَةَ. ٥/ ٤٩٣ - ٥١١
وَعَلَى هَذَا: فَالْقُرْبُ لَا مَجَازَ فِيهِ.
وَقَد تَقَدَّمَ أَنَّا لَا نَذُمُّ كُلَّ مَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا، وإنَّمَا نَذُمُّ تَحْرِيفَ الْكَلِمِ عَن مَوَاضِعِهِ، وَمُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوْلَ فِي الْقُرْآنِ بِالرَّأيِ.
٦/ ٢٠ - ٢١
* * *
(حِكَايَةُ مُنَاظِرَةٍ فِي الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ)
٤٥٠ - صُورَةُ مَا طُلِبَ مِن الشيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّة -رَحِمَهُ اللهُ وَرَضِيَ عَنْهُ- حِينَ جِيءَ بِهِ مِن دِمَشْقَ عَلَى الْبَرِيدِ، وَاعْتُقِلَ بِالْجُبِّ بِقَلْعَةِ الْجَبَلِ، بَعْدَ عَقْدِ الْمَجْلِسِ بِدَارِ النِّيَابَةِ، وَكَانَ وُصُولُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِن شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعُقِدَ الْمَجْلِسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ السَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، بَعْدَ صَلَاةِ