الْقَاضِيَيْنِ: بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسْحَاقَ: إنْ لَمْ يُجِيبَا فَاضْرِبْ أعْنَاقَهُمَا، ويقُولُ عَن الْبَاقِينَ إنْ لَمْ يُجِيبُوا فَقَيّدْهُم فَأَرْسِلْهُم إلَيَّ.
فَأَجَابَ الْقَاضِيَانِ وَذَكَرَا لِأَصْحَابِهِمَا أَنَّهُمَا مُكْرَهَانِ، وَأجَابَ أكْثَرُ النَّاسِ قَبْلَ أنْ يُقَيِّدَهُم لَمَّا رَأَوْا الْوَعِيدَ، وَلَمْ يُجِبْ سِتَّةُ أَنْفُسٍ، فَقَيَّدَهُمْ، فَلَمَّا قُيِّدُوا أَجَابَ الْبَاقُونَ إلَّا اثْنَيْنِ: أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ نُوحٍ النَّيْسَابُورِيَّ، فَأَرْسَلُوهُمَا مُقَيَّدَيْنِ إلَيْهِ، فَمَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ فِي الطَّرِيقِ، وَمَاتَ الْمَأْمُونُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ أَحْمَد إلَيْهِ، وَتَوَلَّى أَخُوهُ أَبُو إسْحَاقَ، وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ أَحْمَد بْنُ أَبِي دُؤَاد، وَأَقَامَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْحَبْسِ مِن سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ إلَى سَنَةِ عِشْرِينَ.
ثُمَّ إنَّهُم طَلَبُوة وَنَاظَرُوهُ أَيَّامًا مُتَعَدِّدَةً، فَدَفَعَ حُجَجَهمْ، وَبَيَّنَ فَسَادَهَا، وَأَنَّهُم لَمْ يَأْتُوا عَلَى مَا يَقُولُونَهُ بِحُجَّة لَا مِن كِتَابٍ وَلَا مِن سُنَّةٍ وَلَا مِن أَثَرٍ.
وَلَمَّا اشْتَهَرَ هَذَا وَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ بَاطِنُ أَمْرِهِمْ، وَأَنَّهُم مُعَطِّلَةٌ لِلصِّفَاتِ .. : كَثُرَ رَدُّ الطَّوَائِفِ عَلَيْهِم بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ تَارَةً، وَبِالْكَلَامِ الْحَقِّ تَارَةً، وَبِالْبَاطِلِ تَارَةً.
وَكَانَ مِمَّن اُنْتَدبَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ: أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَعِلْمٌ وَدِينٌ.
وَمَن قَالَ: إنَّهُ ابْتَاَع مَا ابْتَدَعَهُ لِيُظْهِرَ دِينَ النَّصَارَى فِي الْمُسْلِمِينَ: فَهَذَا كَذِبٌ عَلَيْهِ.
وإِنَّمَا افْتَرَى هَذَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّة الَّذِينَ رَدَّ عَلَيْهِمْ.
وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ لَمَّا رَجَعَ عَن الِاعْتِزَالِ: سَلَكَ طَرِيقَةَ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ كُلَاب.
وَابْنُ كُلَّابٍ لَمَّا رَدَّ عَلَى الْجَهْمِيَّة: لَمْ يَهْتَدِ لِفَسَادِ أَصْلِ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ الذي ابْتَدَعُوهُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؛ بَل وَافَقَهُم عَلَيْهِ.
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَذُمُّونَ ابْنَ كُلَّابٍ وَالْأَشْعَرِيَّ بِالْبَاطِلِ هُم مِن أَهْلِ