وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي قَد بَالَغْتُ فِي الْبَحْثِ عَن مَذَاهِبِ السَّلَفِ فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْهُم خَالَفَ ذَلِكَ (١).
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أنَسٍ الْإِمَامُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ: إنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ فِي كُل مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِن عِلْمِهِ مَكَان.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ مِثْل مَا قَالَ مَالِكٌ.
وَالْآثَارُ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ عُلَمَاءِ الْأمَّةِ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ مَن تَتَبَّعَهَا، وَقَد جَمَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا مُصَنَّفَاتٍ صِغَارًا وَكبَارًا، وَمَن تَتَبَّعَ الْآثَارَ عَلِمَ أَيْضَا قَطْعًا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَلَ عَن أَحَدٍ مِنْهُم حَرْفٌ وَاحِدٌ يُنَاقِضُ ذَلِكَ؛ بَل كُلُّهُم مُجْمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ، يُصَدِّقُ بَعْضُهم بَعْضًا.
ثُمَّ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُم قَالَ يَوْمًا مِن الدَّهْرِ: ظَاهِرُ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَلَا قَالَ: هَذ الْآيَةُ أَو هَذَا الْحَدِيثُ مَصْرُوفٌ عَن ظَاهِرِهِ، مَعَ أَنَّهُم قَد قَالُوا مِثْل ذَلِكَ فِي آيَاتِ الْأحْكَامِ الْمَصْرُوفَةِ عَن عُمُومِهَا وَظَاهِرِهَا، وَتَكَلَّمُوا فِيمَا يُسْتَشْكلُ مِمَّا قَد يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ تَنَاقُض، وَهَذَا مَشْهُورٌ لِمَن تَأَمَّلَهُ (٢).
وَهَذ الصِّفَاتُ أَطْلَقُوهَا بِسَلَامَةٍ، وَطَهَارَةٍ، وَصَفَاءٍ، لَمْ يَشُوبُوهُ بِكَدَر وَلَا غِشٍّ.
وَلَو لَمْ يَكُن هَذَا هوَ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ: لَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ سَلَفُ الْأُمَّةِ قَالُوا لِلْأُمَّةِ: الظَّاهِرُ الَّذِي تَفْهَفونَهُ غَيْرُ مُرَادٍ، أوْ (٣) لَكَانَ أَحَد مِن الْمُسْلِمِينَ اسْتَشْكَلَ هَذ الْآيَةَ وَغَيْرَهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ مَن يُنْكِرُ هَذِهِ الصِّفَةَ أي: الاستواء وَأَمْثَالَهَا إذَا بَحَثْت عَن
(١) أقسم وهو الصادق البار -رحمه الله- بأنه بذل وسعه في البحث عن آثار السلف في باب الأسماء والصفات، فلم يجد من خالف في ما قرره ونقله عنهم.
(٢) كلام متين، واستدلال بديع، وهو مقنع لكل من خلا قلبه من الهوى.
(٣) في الأصل: ولكان! والمثبت من الفتاوى الكبرى: (٦/ ٤٧٠)