وَقَد يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ أَوْجَبَ مِن الْإِقْرَارِ بِالْقَضَايَا الْقَوْلِيَّةِ؛ بَل هَذَا هوَ الْغَالِبُ؛ فَإِنَّ الْقَضَايَا الْقَوْليَّةَ يَكْفِي فِيهَا الْإِقْرَارُ بِالْجُمَلِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الْوَاجِبَةُ: فَلَا بُدَّ مِن مَعْرِفَتِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا مُفَصَّلَةً.
وَلهَذَا تُقِرُّ الْأمَّةُ مَن يُفَصِّلُهَا عَلَى الْإطْلَاقِ وَهم الْفُقَهَاءُ، وإن كَانَ قَد يُنْكَرُ عَلَى مَن يَتَكَلَّمُ فِي تَفْصِيلِ الْجُمَلِ الْقَوْلِيَّةِ؛ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ الْوَاجِبَةِ، وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى تَفْصِيلِ الْجُمَلِ الَّتي وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهَا مُجْمَلَةً (١).
وَكَثِيرٌ مِن تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ أَو أَكْثَرهُ مِن هَذَا الْبَابِ؛ فَإنَّ الِاخْتِلَافَ فِي كَثِيرٍ مِن التَّفْسِيرِ هُوَ مِن بَابِ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ الْخَبَريَّةِ، لَا مِن بَابِ الْعَمَلِيَّةِ، لَكِنْ قَد تَقَعُ الْأهْوَاءُ فِي الْمَسَائِلِ الْكِبَارِ كَمَا قَد تَقَعُ فِي مَسَائِلِ الْعَمَلِ. ٦/ ٥٦ - ٦٠
* * *
(الرِّسَالَة الأكملية) (٢)
٤٨١ - إِذَا أَخْبَرَ اللهُ بِالشيءِ وَدَلَّ عَلَيْهِ بِالدَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ: صَارَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِخَبَرِهِ، وَمَدْلُولًا عَلَيْهِ بِدَلِيلِهِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ، فَيَصِيرُ ثَابِتَا بِالسَّمْعِ
= جاهلًا بالحكم الشرعي، والآخر مُعاندًا عالمًا بالحكم، فيُنكر عليه بخلاف الأول.
فالواجب مراعاة المصلحة والحال والشخص عند الإنكار.
خامسًا: أنَّه يُنكَر على مَن يَجعلُ المسائل الخبرية أصولًا والمسائل العمليَّة فروعًا، فهناك مِن المسائل العملية ما هي أصول في الدين، ومِن المسائل الخبرية ما هي فروع في الدين.
ولا يُفهم من كلام الشيخ - رحمه الله - يُنكرُ تقسيم الدين إلى أصول وفروع، فقد نص على ذلك في مواضع كثيرة منها قوله: أحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ نَهَى عَن تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِن الْعُلَمَاءِ فِي الْفُرُوعِ. فَكَيْفَ يُقَلَّدُ أحْمَد وَغَيْرُهُ فِي أصُولِ الدِّينِ؟. اهـ. (٦/ ٢١٥ - ٢١٦)
(١) فالفقهاء يذكرون خلاف العلماء في المسائل العملية الفقهية، ولو كانت عند العامة، ولا يُنكر أحدٌ ذلك، بينما يُنكرون من العالم إذا تكلم في المسائل الخبرية وهي العقائد ونحوها، وذكروا خلاف الناس فيها؛ كالأشعرية والمعتزلة ونحوهم.
(٢) سأنتقي أهم الفوائد مما جاء فيها.