الْكَلَامِ: هُوَ مَا يَسْبِقُ إلَى الْعَقْلِ السَّلِيمِ مِنْهُ لِمَن يَفْهَمُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ.
ثُمَّ قَد يَكُونُ ظُهُورُهُ:
- بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ.
- وَقَد يَكُونُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ.
وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْفحْدَثَةُ الْمُسْتَحِيلَةُ عَلَى اللهِ تَعَالَى هِيَ السَّابِقَةَ إلَى عَقْلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ بَل الْيَدُ عِنْدَهُم كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالذَّاتِ، فَكَمَا كَانَ عِلْمُنَا وَقُدْرَتُنَا وَحَيَاتُنَا وَكَلَامُنَا وَنَحْوُهَا مِن الصِّفَاتِ أَعْرَاضا تَدُلُّ عَلَى حُدُوثنَا، يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِمِثْلِهَا: فَكَذَلِكَ أَيْدِينَا وَوُجُوهُنَا وَنَحْوُهَا أَجْسَامًا كَذَلِكَ مُحْدَثَةً يَمْتَنِعُ أَنْ يُوصَفَ اللهُ تَعَالَى بِمِثْلِهَا.
وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ إنَّمَا هِيَ صِفَاتُ اللهِ -سبحانه وتعالي- كمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، نِسْبَتُهَا إلَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ كَنِسْبَةِ صِفَاتِ كُلِّ شَيْءٍ إلَى ذَاتِهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمَوْصُوفِ، وَلَهَا خَصَائِصُ، وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ.
قُلْت لَهُ: إذَا وَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ بِصِفَةٍ أَو وَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ أَو وَصَفَة بِهَا الْمُومِنُونَ -الَّذِينَ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ- فَصَرْفُهَا عَن ظَاهِرِهَا اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَحَقِيقَتِهَا الْمَفْهُومَةِ مِنْهَا إلَى بَاطِنٍ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ، وَمَجَازٍ يُنَافِي الْحَقِيقَةَ: لَا بُدَّ فِيهِ مِن أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَكَلَامَ السَّلَفِ جَاءَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِشَيء مِنْهُ خِلَافُ لِسَانِ الْعَرَبِ، أو خِلَافُ الْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ مَا يُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ، وإِلَّا فَيُمْكِنُ كُلُّ مُبْطِلٍ أَنْ يُفَسِّرَ أَيَّ لَفْظٍ بِأَيِّ في مَعْنًى سَنَحَ لَهُ، وَإِن لَمْ يَكُن لَهُ أَصْل فِي اللُّغَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ دَلِيل يُوجِبُ صَرْفَ اللَّفْظِ عَن حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ.