وَالثَّانِي: إِضَافَةُ الْمُلْكِ وَالْعَمَلِ إلَيْهَا.
وَالثَّانِي: يَقَعُ فِيهِ التَّجَوُّزُ كَثِيرًا.
أَمَّا الْأوَّلُ: فَإِنَّهُم لَا يُطْلِقُونَ هَذَا الْكَلَامَ إلَّا لِجِنْسٍ لَهُ يَدٌ حَقِيقَةً، وَلَا يَقولُونَ: يَدُ الْهَوَى، وَلَا يَدُ الْمَاءِ.
فَهَبْ أَنَّ قَوْلَهُ: بِيَدِهِ الْمُلْكُ قَد عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقُدْرَتهِ، لَكِنْ لَا يُتَجَوَّزُ بِذَلِكَ إلَّا لِمَن لَهُ يَدٌ حَقِيقَةً (١).
وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، وَقَوْلِهِ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} مِن وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هُنَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ، وَهُنَاكَ أَضَافَ الْفِغلَ إلَى الْأَيْدِي.
الثَّانِي: أَنَّ مِن لُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّهُم يَضَعُونَ اسْمَ الْجَمْعِ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ إذَا أُمِنَ اللَّبْسُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} المائدة: ٣٨؛ أَيْ: يَدَيْهِمَا، وَقَوْلِهِ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} التحريم: ٤؛ أَيْ: قَلْبَاكُمَا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} (٢).
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَثِيرَة جِدًّا مِثْلُ؛ قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ عَن يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٣).
فَذَكَرْت لَه هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَغَيْرَهَا، ثُمَّ قُلْت لَهُ: هَل تَقْبَلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ
(١) سبحان من فهم هذا الإمام هذا الفهم العجيب، وأعطاه حسن البيان والفصاحة وقوة الحجة!.
(٢) يُلاحظ أن شبههم كثيرة وقويةٌ بعض الشيء، ولكن كلّ الشبه في كل زمان ومكان مهما قويت وانتشرت، قد قيّض الله تعالى لها من يرُدّها ويُبطلها، ويُبين زيفها وخطأها.
(٣) (١٨٢٧).