وَالْأرْضُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ، وَالسَّهْلُ وَالْجَبَلُ، وَالشتَاءُ وَالصَّيْفُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَالْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ .. وَأَشْبَاة ذَلِكَ.
فَلَا ريبَ أَنَّ هَذ الْآيَةَ تَنَاوَلَت الْكُفَّارَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ.
وَتَمَامُ الْكَلَامِ يُبَيِّن أَنَّ الْآيَةَ -وَإِن تَنَاوَلَت الظَّالِمَ الَّذِي ظَلَمَ بِكُفْرِهِ- فَهِيَ أَيْضًا مُتَنَاوِلَة مَا دُونَ ذَلِكَ، وَإِن قِيلَ فِيهَا: {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} الصافات: ٢٢، فَقَد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ" (١).
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الظُّلْمَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ الْكُفْرَ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْكُفْرِ؛ بَل يَتَنَاوَلُ مَا دُونَهُ أَيْضًا، وَكُلٌّ بِحَسَبِهِ؛ كَلَفْظِ الذَّنْبِ وَالْخَطِيئَةِ وَالْمَعْصِيَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا يَتَنَاوَلُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ؛ كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٢) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك".
وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)} البقرة: ٢٥٤، فَالْكُفْرُ الْمُطْلَقُ: هُوَ الظُّلْمُ الْمُطْلَقُ؛ وَلهَذَا لَا شَفِيعَ لِأَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا نَفَى الشَّفَاعَةَ فِي هَذِهِ الآيَةِ.
وإذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالظُّلْمُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أ - فَالظلْمُ الَّذِي هُوَ شِرْكٌ لَا شَفَاعَةَ فِيهِ.
ب - وَظُلْمُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، لَا بُدَّ فِيهِ مِن إعْطَاءِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ، لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَظْلُومِ لَا بِشَفَاعَة وَلَا غَيْرِهَا، وَلَكِنْ قَد يُعْطَى الْمَظْلُومُ مِن الظَّالِمِ، كَمَا قَد يُغْفَرُ لِظَالِمِ نَفْسِهِ بِالشَفَاعَةِ.
(١) رواه البخاري (٢٨٨٧).
(٢) البخاري (٤٤٧٧)، ومسلم (٨٦).