وَاَلَّذِينَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِم ظَنُّوا: أَنَّ الظُّلْمَ الْمَشْرُوطَ هُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ، وَأنَّهُ لَا يَكُونُ الْأَمْنُ وَالاهْتِدَاءُ إلَّا لِمَن لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَهُم مَا دَلَّهُم عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ ظُلْمٌ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى.
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ إلَّا لِمَن لَمْ يَلْبِسْ إيمَانَهُ بِهَذَا الظُّلْمِ، وَمَن لَمْ يَلْبِسْ إيمَانَهُ بِهِ كَانَ مِن أَهْلِ الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ.
وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يُؤَاخَذَ أَحَدُهُم بِظُلْمِ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يتب.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ":
- إنْ أَرَادَ بِهِ الشّرْكَ الْأَكْبَرَ: فَمَقْصُودُهُ أَنَّ مَن لَمْ يَكُن مِن أَهْلِهِ فَهُوَ آمِنٌ مِمَّا وُعِدَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِن عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ مُهْتَدٍ إلَى ذَلِكَ.
- وَإِن كَانَ مُرَادُهُ جِنْسَ الشِّرْكِ: فَيُقَالُ: ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ كَبُخْلِهِ -لِحُبِّ الْمَالِ- بِبَعْضِ الْوَاجِبِ هُوَ شِرْكٌ أَصْغَرُ، وَحُبُّه مَا يُبْغِضُهُ اللهُ حَتَّى يَكُونَ يُقَدِّمُ هَوَاهُ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ شِرْكٌ أَصْغَرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَهَذَا صَاحِبُهُ قَد فَاتَهُ مِن الْأَمْنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِحَسَبِهِ؛ وَلهَذَا كَانَ السَّلَفُ يُدْخِلُونَ الذُّنُوبَ فِي هَذَا الظُّلْمِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَمِن هَذَا الْبَابِ لَفْظ الصَّلَاح وَالْفَسَادِ: فَإِذَا أُطْلِقَ الصلَاحُ تَنَاوَلَ جَمِيعَ الْخَيْرِ، وَكَذَلِكَ الْفَسَادُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الشَّرِّ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْم الصَّالِحِ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ.
وَقَد يُقْرَنُ أَحَدُهُمَا بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ؛ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (٢٠٥)} البقرة: ٢٠٥.
قِيلَ: بِالْكُفْرِ، وَقِيلَ: بِالظُّلْمِ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. ٧/ ١٣ - ٨٤
٥٠٥ - اسْم الْإِيمَانِ قَد يُذْكَرُ مُجَرَّدًا، وَقَد يُذْكَرُ مَقْرُونًا بالْعَمَل أَو بِالْإِسْلَامِ.