(الرد على من زعم أنّ الْإِيمَانَ في اللغة والشرع هُوَ التَّصْدِيقُ)
٥١٥ - قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي التَّمْهِيدِ: فَإِنْ قَالُوا: فَخَبِّرُونَا مَا الْإِيمَانُ عِنْدَكُمْ؟
قِيلَ: الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيقُ بِاللهِ وَهُوَ الْعِلْمُ، وَالتَّصْدِيقُ يُوجَدُ بِالْقَلْبِ.
فَإِنْ قَالَ: فَمَا الدَّليلُ عَلَى مَا قلْتُمْ؟
قِيلَ: إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبَعْثَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ التَّصْدِيقُ لَا يَعْرِفُونَ فِي اللغَةِ إيمَانًا غَيْرَ ذَلِكَ.
وَهَذَا عُمْدَةُ مَن نَصَرَ قَوْلَ الْجَهْمِيَّة فِي مَسْألَةِ الْإِيمَانِ، وَللْجُمْهُورِ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ عَن هَذَا أَجْوِبَةٌ.
(الْأوَّلُ): قَوْلُ مَن يُنَارعُ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ وَيَقُولُ: لَيْسَ هُوَ التَّصْدِيقَ؛ بَل بِمَعْنَى الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: إجْمَاعُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ هُوَ التَّصْدِيقُ.
فَيُقَالُ لَهُ: مَن نَقَلَ هَذَا الْإِجْمَاعَ؟ وَمِن أَيْنَ يُعْلَمُ هَذَا الْإِجْمَاعُ؟ وَفِي أَيِّ كِتَابٍ ذُكِرَ هَذَا الْإِجْمَاعُ؟
(الثَّانِي): أَنْ يُقَالَ: أَتَعْنِي بِأَهْلِ اللُّغَةِ نَقَلَتَهَا كَأَبِي عَمْرٍو وَالْأصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَنَحْوِهِمْ، أو الْمُتَكَلِّمِينَ بِهَا؟ (١)
فَإِنْ عَنَيْت الْأَوَّلَ: فَهَؤُلَاءِ لَا يَنْقُلُونَ كُلَّ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِإِسْنَاد، وَإِنَّمَا يَنْقُلُونَ مَا سَمِعُوهُ مِن الْعَرَبِ فِي زَمَانِهِمْ، وَمَا سَمِعُوهُ فِي دَوَاوِينِ الشِّعْرِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِالْإِسْنَادِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيمَا نَقَلُوهُ لَفْظَ الْإِيمَانِ فَضْلًا عَن أَنْ يَكُونُوا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ.
(١) أي: العرب.