الْجَنَّةِ الَّذِينَ وُعِدُوا بِدُخُولِهَا بِلَا عَذَابٍ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَن حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا" (١)، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِن هَؤُلَاءِ؛ بَل مِن أَهْلِ الذُّنُوبِ الْمُعَرَّضِينَ لِلْوَعِيدِ أُسْوَةَ أَمْثَالِهِمْ. ٧/ ١٨١ - ١٨٤
وَبِهَذَا تَبَيَّن أَنَّ الشَّارِعَ يَنْفِي اسْمَ الْإِيمَانِ عَن الشَّخْصِ لِانْتِفَاءِ كَمَالِهِ الْوَاجِبِ، وَإِن كَانَ مَعَهُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ؛ كَمَا قَالَ: "لَا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (٢).
وَلهَذَا أَنْكَرَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِن الْأَئِمَّةِ عَلَى مَن فَسَّرَ قَوْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا": لَيْسَ مِثْلَنَا، أَو لَيْسَ مِن خِيَارِنَا، وَقَالَ: هَذَا تَفْسِيرُ الْمُرْجِئَةِ، وَقَالُوا: لَو لَمْ يَفْعَلْ هَذِهِ الْكَبِيرَةَ كَانَ يَكُونُ مِثْل النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ بِأنَّهُ يَخْرُجُ مِن الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيسْتَحِقُّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ: تَأوِيلٌ مُنْكَرٌ، فَلَا هَذَا وَلَا هَذَا. ٧/ ٥٢٤ - ٥٢٥
* * *
(لَا يُوجَدُ إطْلَاق اسْم الْكَلَامِ وَلَا أَنْوَاعِهِ عَلَى مجَرَّدِ الْمَعْنَى، مِن غَيْرِ شَيْءٍ يَقْتَرنُ بِهِ مِن عِبَارَةٍ وَلَا إشارَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا)
٥١٦ - لَا يُوجَدُ قَطُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْكَلَامِ وَلَا أَنْوَاعِهِ؛ كَالْخَبَرِ، أَو التَّصْدِيقِ، وَالتَّكْذِيبِ، وَالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، عَلَى مُجَرَّدِ الْمَعْنَى، مِن غَيْرِ شَيءٍ يَقْتَرِنُ بِهِ مِن عِبَارَةٍ وَلَا إشَارَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مُقَيَّدًا.
وَإِذَا كَانَ اللهُ إنَّمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ: فَهِيَ لَا تَعْرِفُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَغَيْرَهُمَا مِن الْأَقْوَالِ إلَّا مَا كَانَ مَعْنًى وَلَفْظًا، أَو لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى؛ وَلهَذَا لَمْ يَجْعَل اللهُ أَحَدًا مُصَدّقًا لِلرُّسُلِ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ الَّذِي فِي قُلُوبِهِم حَتَّى يُصَدِّقوهُم بِألْسِنَتِهِمْ.
(١) رواه مسلم (١٠١).
(٢) تقدم تخريجه.