فَلَمَّا قُلْت ذَلِكَ تَغَيَّرَ وَذَلَّ. وَذُكِرَ لِي أَنَّ وَجْهَهُ اصْفَرَّ.
وَمَشَايِخُهُم الْكبَارُ يَتَضَرَّعُونَ عِنْدَ الْأَمِيرِ فِي طَلَبِ الصُّلْحِ، وَجَعَلْت أُلِحُّ عَلَيْهِ فِي إظْهَارِ مَا أَدْعُوهُ مِن النَّارِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَهُم لَا يُجِيبُونَ، وَقَد اجْتَمَعَ عَامَّةُ مَشَايِخِهِمُ الَّذِينَ فِي الْبَلَدِ وَالْفُقَرَاءُ الْمُوَلَّهُونَ مِنْهُمْ، وَهُم عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَالنَّاسُ يَضِجُّونَ فِي الْمَيْدَانِ ويتَكَلَّمُونَ بِأَشْيَاءَ لَا أَضْبِطُهَا.
فَذَكَرَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا مَا مَضْمُونُهُ: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأعراف: ١١٨ {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (١١٩)} الأعراف: ١١٩.
فَلَمَّا ظَهَرَ لِلْحَاضِرِينَ عَجْزُهُم وَكَذِبُهُم وَتَلْبِيسُهُم وَتبَيَّنَ لِلْأُمَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَشُدُّونَ مِنْهُم أَنَّهُم مُبْطِلُونَ، رَجَعُوا وَتَخَاطَبَ الْحَاجُّ بِهَادِر وَنَائِبُ السُّلْطَانِ وَغَيْرُهُمَا بِصُورَةِ الْحَالِ وَعَرَفُوا حَقِيقَةَ الْمُحَالِ، وَقُمْنَا إلَى دَاخِل وَدَخَلْنَا، وَقَد طَلَبُوا التَّوْبَةَ عَمَّا مَضَى وَسَأَلَنِي الْأمِيرُ عَمَّا تَطْلُبُ مِنْهُمْ؟ فَقُلْت: مُتَابَعَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَلَمَّا أظْهَرُوا الْتِزَامَ الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ، وَجُمُوعُهُم بِالْمَيْدَانِ بِأَصْوَاتِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمُ الشَّيْطَانِيَّةِ يُظْهِرُونَ أًحْوَالَهُمْ، قُلْت لَهُ: أَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟
فَقَالَ: هَذَا مِن اللهِ حَالٌ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ، فَقُلْت: هَذَا مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لَمْ يَأْمُرِ اللهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَبْطُلُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ.
فَقُلْت: بِهَذِهِ السِّيَاطِ الشَّرْعِيَّةِ.
فَأُعْجِبَ الْأمِيرُ وَضَحِكَ وَقَالَ: أَيْ وَاللهِ بِالسِّيَاطِ الشَّرْعِيَّةِ تَبْطُلُ هَذ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّة، كَمَا قَد جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ، وَمَن لَمْ يُجِبْ إلَى الدِّينِ بِالسِّيَاطِ الشَّرْعِيَّةِ فَبِالسُّيُوفِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.