عَبْدُ اللهِ بْنُ أبي: لَكِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ وَلَا أَبْرأُ مِن وِلَايَةِ يَهُودَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَالْمُرْجِئَةُ الَّذِينَ قَالُوا: الْإِيمَان تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَقَوْلُ اللِّسَانِ، وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ مِنْهُ: كَانَ مِنْهُم طَائِفَةٌ مِن فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَعُبَّادِهَا، وَلَمْ يَكُن قَوْلُهُم مِثْل قَوْلِ جَهْمِ.
وَالْمُرْجِئَةُ ثَلَاَثَةُ أَصْنَافٍ:
الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ مَا فِي الْقَلْبِ، ثُمَّ مِن هَؤُلَاءِ مَن يُدْخِلُ فِيهِ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ، وَهُم أَكْثَرُ فِرَقِ الْمُرْجِئَةِ.
وَمِنْهُم مَن لَا يُدْخِلُهَا فِي الْإِيمَانِ كَجَهْم.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَن يَقُولُ: هُوَ مُجَرَّدُ قَوْلِ اللِّسَانِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ لِأَحَد قَبْلَ الكَرَّامِيَة.
وَالثَّالِثُ: تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَقَوْلُ اللِّسَانِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَن أهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِبَادَةِ مِنْهُمْ. ٧/ ١٨٧ - ١٩٥
وَلَمْ أَرَ أَنَا فِي كِتَابِ أَحَدٍ منهم أَنَّهُ قَالَ: الْأَعْمَالُ لَيْسَتْ مِن الدِّينِ (١)؛ بَل يَقُولُونَ: لَيْسَتْ مِن الْإِيمَانِ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُم بِقَوْلِهِ -عليه الصلاة والسلام- لِلْأَمَةِ: "أَعْتِقْهَا فَإنَّهَا مُؤْمِنَةٌ" (٢) فَهُوَ مِن حُجَجِهِم الْمَشْهُورَةِ، وَبِهِ احْتَجَّ ابْنُ كُلَّابٍ وَكَانَ يَقُولُ: الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالْقَوْلُ.
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ الظَّاهِرَ الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا: لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ فِي الْبَاطِنِ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ مِن أَهْلِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ. ٧/ ٢٠٧ - ٢١٠
* * *
(١) كما نُقل ذلك عن بعض المتقدمين.
(٢) رواه مسلم (٥٣٧).