(الإقْرَارُ بالشهادة لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مَعَه مِن الْيَقِينِ مَا لَا يَقْبَل الرَّيْبَ، والكلام عن المنافقين، وضعافِ الإيمان)
٥٣٣ - خَتَمَ اللهُ الرُّسُلَ بِمُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم-، فَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَّا مَن شَهِدَ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ بِهَا يَدْخُلُ الإنسان فِي الْإِسْلَامِ.
فَمَن قَالَ (١): الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَأرَادَ هَذَا: فَقَدَ صَدَقَ.
ثُمَّ لَا بُدَّ مِن الْتِزَامِ مَا امَرَ بِهِ الرَّسُولُ مِن الْأَعْمَالِ الظَاهِرَةِ؛ كَالْمَبَانِي الْخَمْسِ، وَمَن تَرَكَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا نَقَصَ إسْلَامُهُ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِن ذَلِك.
وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ إذَا عَمِلَهَا الْإِنْسَانُ مُخْلِصًا للهِ تَعَالَى: فَإنَّهُ يُثِيبُه عَلَيْهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ إقْرَارِهِ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَيَكُونُ مَعَهُ مِن الْإِيمَانِ هَذَا الْإِقْرَارُ، وَهَذَا الْإِقْرَارُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مَعَهُ مِن الْيَقِينِ مَا لَا يَقْبَلُ الرَّيْبَ (٢)، وَلَا أَنْ يَكُونَ مُجَاهِدًا، وَلَا سَائِرَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُومِنُ عَن الْمُسْلِمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُؤمِن.
وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِن الْمُسْلِمِينَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا مَعَهُم هَذَا الْإسْلَامُ بِلَوَازِمِهِ مِن الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْيَقِينِ وَالْجِهَادِ، فَهَؤُلَاءِ يُثَابُونَ عَلَى إسْلَامِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ بِالرَّسُولِ مُجْمَلًا، وَقَد لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ جَاءَ بِكِتَابٍ، وَقَد لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ جَاءَهُ مَلَكٌ، وَلَا أنَّهُ أخْبَرَ بِكَذَا، وإذَا لَمْ يَبْلُغْهُم أن الرَّسُولَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُن عَلَيْهِم الْإِقْرَارُ الْمُفَصَّلُ بِهِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِن الْإقْرَارِ بِأنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّهُ صَادِقٌ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ عَن اللهِ.
(١) من العلماء، كما ورد عن بعض السلف.
(٢) ذكر العلماء أن من شروط شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله: اليقين المنافي للشك والريب، وكلام شيخ الاسلام لا يُخالف هذا، وإنما يقصد الشيخ أن اليقين درجات، فيكفي لصحة الإسلام أن يُوقن بقلبه، ولا يلزم أن يكون قويًّا بحيث لا يقبل الريب في المستقبل، وعند ورود الشبهات أو الشهوات عليه.