فَلَو مَاتَ هَؤلَاءِ قَبْلَ الِامْتِحَانِ: لَمَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَلَمْ يَكونُوا مِن الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا الَّذِينَ اُبْتُلُوا فَظَهَرَ صِدْقُهُمْ، قَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)} الحج: ١١.
وَلهَذَا ذَمَّ اللهُ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُم دَخَلُوا فِي الْإِيمَانِ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهُ بقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣)} المنافقون: ٣، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦)} التوبة: ٦٥، ٦٦ فَقَد أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: قَد كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ.
وَقَوْلُ مَن يَقُولُ عَن مِثْل هَذِهِ الْآيَاتِ: إنَّهُم كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ بِلِسَانِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ أَوَّلًا بِقُلُوبِهِمْ: لَا يَصِحُّ؛ لِأنَّ الْإِيمَانَ بِاللِّسَانِ مَعَ كُفْرِ الْقَلْبِ: قَد قَارَنَهُ الْكُفْرُ، فَلَا يُقَالُ: قَد كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكمْ؛ فَإنَّهُم لَمْ يَزَالُوا كَافِرِينَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَإِن أُرِيدَ: أَنَّكُمْ أَظْهَرْتُمْ الْكُفْرَ بَعْدَ إظْهَارِكُم الْإِيمَانَ: فَهُم لَمْ يُظْهِرُوا لِلنَّاسِ إلَّا لِخَوَاصِّهِمْ، وَهُم مَعَ خَوَاصِّهِمْ مَا زَالُوا هَكَذَا.
بَل لَمَّا نَافَقُوا، وَحَذِرُوا أَنْ تَنْزِلَ سُورَةٌ تبَيِّنُ مَا فِي قُلُوبِهِم مِن النِّفَاقِ، وَتَكَلَّمُوا بِالِاسْتِهْزَاءِ: صَارُوا كَافِرِينَ بَعْدَ إيمَانِهِمْ، وَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى أَنَّهُم مَا زَالُوا مُنَافِقِينَ، وَقَد قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (١) وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
= فقد ذَكَرَ سبْحَانَهُ أَنَّ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِيمَانِ مَا كَانَ لِيَدَعَهُم حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِن الطَّيِّبِ وَيَمْتَحِنَهُمْ.
(١) قال ابن جرير رحمهُ اللهُ بعد أن ذكر خلاف العلماء في صفة الجهاد الذي أمَر اللهُ نبيِّه به في المنافقين: أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، ما قال ابن مسعود: من أنّ الله أمر =